وائل قنديل يكتب : 30 يونيو استكمال الثورة أم الانتقام منها ؟


الحكاية من الاول : قامت ثورة في مصر لاسقاط مبارك ونظامه , واقامة نظام جديد يقوم علي مؤسسات يعرفها العالم كله : رئيس للدولة ومجلس تشريعي ينتخبه الشعب وحكومة تتشكل من خلال المجلس التشريعي , وكان المفترض انه بعد الثلاثين من يونيو من العام الماضي ان تكون مصر قد استكملت بناء مؤسساتها بانتخاب رئيس للجمهورية , غير انه وعلي طريقة لاعب الدومينو ما ان جاء الرئيس المنتخب حتي تم اسقاط المجلس التشريعي المنتخب بالضربة الدستورية القاضية لتصبح مصر دولة عرجاء سياسيا , وتدخل في حالة من الارتباك و التخبط كانت نتيجتها وضع سلطة التشريع في يد مجلس شوري تتهدده الاعاصير.

والآن صار المطلب المرفوع هو اسقاط رئيس الجمهورية لتصبح مصر بلا سلطة فعلية , وبلا سقف سياسي يحميها من الانزلاق الي حالة اللا دولة , ولا ادري هل يعي الحاشدون للتخلص من رئيس جاء بالانتخاب معني ان تصبح مصر بلا مؤسسات للحكم ولو لشهور فقط؟

ان مقاولي الهدد الذين ارتضوا ان يكونوا جسرا تعود فوقه دولة مبارك يسلكون وكانهم قد تملكتهم رغبات محمومة في الانتقام من الشعب ومن الثورة مادامت لم تصعد بهم الي سدة الحكم , ويسعون الآن بكل السبل لالغاء الملمح الوحيد الباقي من ملامح الدولة , فمن يتحمل ان مجتمعا يمور بالخلافات ونوازع الاحتراب حتي بين حلفاء التكتل الواحد يعيش بلا سلطة تنفيذية ولو لاسبوع واحد فقط؟

لقد ثبت غير مرة ان الجيش المصري لا يرغب في تكرار ما جري له ولمصر خلال العامين اللذين شهدا اقحامه في ادارة البلاد سياسيا , ويعلم جيدا بحكم التجربة حجم الخسائر التي لحقت بالجميع خلال تلك الفترة , كما ان الايام اثبتت انه لا يوجد تصور منطقي لدي من يطالبون بتقويض السلطة الوحيدة الباقية لما سيحدث بعدها.

وعلي ذلك فان الاحتشاد علي ارضية كراهية الاخوان و الاسلاميين فقط لن يبني دولة ولن يكمل ثورة , بل هو بالاحري ودون تزيد يحول مجري الغضب من استكمال الثورة الي فتح الباب لعملية الانتقام من الثورة , خصوصا في ظل التبدل الخطير في الادوار و الذي جعل من كانوا نجوم الشباك في يناير 2011 يلعبون دور ' السنيد ' لبقايا دولة مبارك في يونيو 2013 وما يلفه من نذر خطر مستطير.

ان خير العمل في هذه المرحلة المخيفة من تاريخ البلاد ان ينصب الاهتمام كله علي بناء مجلس تشريعي منتخب في اقرب وقت وهذا يستلزم فورا التوصل الي قانون محترم للانتخابات تتوافق عليه كل القوي السياسية , وحتي يتحقق ذلك حري بالسلطة التنفيذية ان تقدم علي حزمة من الاجراءات تطمئن المجتمع علي مستقبله.

ويبقي مفتاح الخروج من هذا المازق مغادرة نزق التجييش علي ارضية الكراهية و العودة الي السياسة بمفهومها المستقر في ادبيات العالم كله , و الذهاب الي منافسة عادلة لانشاء مجلس تشريعي يكون بمقدوره تشكيل حكومة جديدة واجراء التعديلات اللازمة علي الدستور , بارادة القرار الشعبي عبر قنوات الممارسة الديمقراطية الراسخة وليس بالتلويح بسيوف العنف وعبوات الحريق.

ليست هناك تعليقات :