30 يونيو و المطلوب من الرئاسة لاشهار افلاس المعارضة أمام الرأي العام فهمي هويدي


في الوقت الراهن لا يجتمع اثنان في مصر الا وكان موعد الثلاثين من يونيو بينهما , مستصحبا معه قائمة طويلة من الاسئلة التي تعبر عن الحيرة و القلق و الخوف ايضا.


1
الناس محقون ومعذورون , لان مختلف الشواهد تشير الي ان ذلك اليوم الذي تنتهي به السنة الاولي للرئيس مرسي في السلطة , لن يمر علي خير.
والقائلون بغير ذلك يعبرون عما يتمنونه باكثر ما يقراون الواقع ويرصدون مؤشراته.

ومعلوماتي ان الاجهزة الامنية توقعت ان تنزل الي الشوارع و الميادين اعداد كبيرة من البشر في ذلك اليوم , ربما لن تقل عن الذين خرجوا في 25 يناير من عام 2011 ,

وربما انضافت الي الخارجين المحتجين فئات جديدة سواء من الذين ضاقوا بالاعباء المعيشية و الغلاء المتزايدين , او الفئات المحايدة التي يتقدمها ما سمي بحزب ' الكنبة ' , التي ادركت ان اداء الرئيس مرسي وحكومته دون ما توقعوه , ووجدت ان ذلك الاداء لا يعبر عن التحول الثوري الذي كانوا يحلمون به.


' لاحظ ان مركز بصيرة لاستطلاع الراي ذكر ان 42 في المائة فقط يؤيدون الرئيس الآن , وهؤلاء كانت نسبتهم 46 في المائة بعد عشرة اشهر من توليه السلطة , في حين كانت نسبتهم بعد المائة يوم الاولي 78 في المائة ' .

معلوماتي ايضا ان المؤسسة الامنية قدرت ان احتمالات العنف و الفوضي قائمة لا محالة , خصوصا انه ما من مظاهرة خرجت الي الشارع خلال السنتين الماضيتين الا وتخللها عنف من جانب بعض الاطراف بصورة او اخري , واذا كان ذلك قد حدث في مناسبات محدودة ومتفرقة فلن تخلو منه تظاهرات 30 يونيو التي ينتظر ان تتضاعف فيها الحشود.

ذلك العنف المتوقع قد يكون بين مؤيدي الرئيس مرسي ومعارضيه , وفي احسن الفروض فانه اذا تجنب المؤيدون النزول و الاشتباك مع المعارضين فان احتمال العنف سيظل قائما , لان المتظاهرين سوف يتوجهون في لا تسال عن دور البلطجية و المدفوعين الاغلب الي بعض مؤسسات الدولة مثل مقر الاتحادية ومجلس الوزراء ومقر مجلس الشوري.

الراجح اذن ان هناك عنفا وفوضي متوقعة , و السؤال الذي يرد في هذا الصدد ينصب علي شكل العنف ونطاقه وضحاياه , وقدرة الاجهزة الامنية علي التعامل معه , و المعلومات المتوافرة ان وزارة الداخلية ذكرت صراحة ان امكاناتها لا تمكنها من مواجهة العنف و الفوضي المتوقعة , وطلبت الاستعانة بقوات من الجيش لضبط الامن و الدفاع عن مؤسسات الدولة في خمس مدن علي الاقل , بينها القاهرة و الاسكندرية و المنصورة.

الا ان الجيش يعتبر انه يجب ان يبتعد عن الصراعات السياسية , ويري انه ينبغي ان يتفرغ بالكامل لعملية اعادة البناء واستعادة العافية التي انطلقت بعد الثورة , للحفاظ علي مكانته وكفاءته التي تليق بجيش وطن يحمي اكبر دولة عربية , فضلا علي انه الجيش الوحيد الذي لم يتعرض للتدمير بين اقوي الجيوش العربية.

رغم ان الاجهزة الامنية و السيادية ليست متفائلة بما يمكن ان يحدث يوم 30 يونيو.
فان بعض الاطراف في المؤسسة السياسية تعتبر ان تلك الرؤية مفرطة في التشاؤم وان الصورة ليست قاتمة الي تلك الدرجة , وتراهن تلك الاطراف علي ان الامر ليس بتلك الصورة , وان الحدث يمكن احتماله واحتواؤه.

2
لا نستطيع ان نعول فقط علي تقديرات المؤسسة الامنية و السيادية , ولا مراهنات او امنيات اطراف المؤسسة السيادية , لان الحاصل علي ارض الواقع يعبر عن عملية احتشاد وتعبئة لا يستطيع احد تجاهلها.

صحيح ان حملة ' تمرد ' كانت من بنات افكار مجموعة من الشبان لا علاقة لهم بالاحزاب السياسية , ولم تطالب دعوتهم باكثر من تحديد موعد لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة , الا ان الفكرة لقيت صدي ايجابيا في بعض الاوساط وتلقفتها احزاب المعارضة حتي وظفت التاييد الشعبي النسبي لها في خصومتها للرئيس محمد مرسي ,
وبدلا من مطلب التبكير بالانتخابات الرئاسية لتجديد الثقة في الرئيس او سحب الثقة منه , فان احزاب المعارضة راهنت علي اعتبار يوم 30 يونيو بداية انطلاق معركة تستهدف اسقاط النظام و الخلاص من حكم الاخوان.

لكني اخشي ان يكون بداية اطلاق شرارة الفوضي و التخريب في انحاء مصر لسببين رئيسين , هما :

اذا اخذنا الكلام علي محمل الجد فان عملية اسقاط النظام التي قيل انها ستتم من خلال الاحتكام الي القضاء و المحكمة الدستورية ليست امرا ميسورا , لكنها تحتاج الي وقت ليس قصيرا , اذا قدر لها ان تاخذ مسارها المقدر.
هذا اذا افترضنا ان الطرف المؤيد للرئيس مرسي سوف يلتزم الصمت سيقف متفرجا علي ما يجري وهو امر مستبعد.

ان البديل الذي تقترحه المعارضة التي تلقفت شعار التمرد يتسم بغموض شديد يعرض مصير البلد للخطر.
من ناحية لانها اعلنت انها ضد الرئيس مرسي وحكم الاخوان لكنها لم توضح لنا هي مع ماذا.
ومن ناحية ثانية فانها تحدثت عن تولي رئيس المحكمة الدستورية لسلطة الرئيس وعن تشكيل مجلس رئاسي يضم ثلاثة اشخاص الي جانب وزير الدفاع. دون ان تحدد الجهة التي ستقوم باختيار اولئك الاشخاص ,
ناهيك عن ان من شان ذلك ان يستدعي الجيش مرة اخري للمشاركة في حكم البلد , الامر الذي يعد توريطا له في غير وظيفته الاساسية التي نذر نفسه لها.

هذا اذا افترضنا تراجع الفريق اول عبدالفتاح السيسي عن موقفه الذي اعلنه وتمسك فيه بابتعاد الجيش عن المعترك السياسي , ونصيحته للسياسيين بان يحلوا مشاكلهم ويحسموا صراعاتهم عبر صناديق الانتخاب.

3
في هذا السياق لا نستطيع ان نتجاهل تعبئة السياسيين و الدعاة و الابواق الاعلامية التي تتحدث عن سلمية تظاهرات 30 يونيو , لكنها في الوقت ذاته تتحدث عن مواجهة تنتهي باقصاء طرف وفوز طرف آخر.
وقد وصف ذلك التاريخ بانه يوم الحسم و الفصل وآخر ايام حكم المرشد وقال قائل انه يوم القيامة , وتحدث ثالث عن استرداد الثورة من سارقيها ,
وقال بعض الدعاة ان ذلك اليوم سيشهد معركة بين الاسلام و الكفر في حين افتي احدهم بان الخروج في مظاهرات 30 يونيو للمطالبة باسقاط الرئيس الشرعي المنتخب حرام شرعا , وان الخارج عن طاعة الرئيس مرسي كافر , وان التمرد عليه تمرد علي الاسلام و المشروع الاسلامي ' الذي لم يفصح عنه الرئيس مرسي حتي هذه اللحظة ' .

لم يقف الامر عند حد الشحن و التعبئة من جانب الطرفين لحسم معركة 30 يونيو , لكننا فوجئنا بحملة تسميم اضافية للاجواء اقحمت حركة حماس في الموضوع.

فتابعنا علي شاشات التلفزيون حديثا لاحد لواءات الجيش قدم بحسبانه خبيرا عسكريا قال فيه ان هناك مؤامرة للاسلاميين ستنفذ في الساعة السادسة من صباح يوم 30 يونيو حيث سيحتشد 50 الف جهادي في سيناء الي جانب 50 الف فلسطيني. وسيتولي هؤلاء ارباك الجيش المصري لكي لا يؤدي مهمته الداخلية ' في مواجهة الاخوان ' .
مضيفا ان تلك العناصر تتمركز الآن في جنوب سيناء وترتدي الزي العسكري.
ولم يقل لنا الخبير المذكور كيف سمح لهؤلاء بالتمركز في مواقعهم , ولماذا سكتت عليهم الاجهزة المعنية قبل ان يتحركوا في الساعة التي حددها.

ليس ذلك فحسب , وانما قرانا في صحيفة ' الوطن ' الصادرة يوم 16/6 عنوانا رئيسا علي صفحتها الاولي يقول :
الجيش و المخابرات يحذران مرسي : اذا استعنت بعناصر حماس فمصيرهم الموت.

ونقلت الصحيفة في الخبر عن ' مصادر سيادية ' قولها :
' ان القوات المسلحة و المخابرات العامة ارسلتا تحذيرات الي رئاسة الجمهورية من عقد صفقات مع حركة حماس او الاعتماد علي عناصر مسلحة في حماية النظام خلال مظاهرات 30 يونيو.
ثم اضافت ما نصه : ان وفد حماس في القاهرة تلقي نفس الانذار من ان اي محاولة للتدخل ستواجه بالضرب بيد من حديد.
وان الجيش لن يسمح بدخول حمساوي واحد , سواء من البر او الجو او الانفاق. ولو حدث فسيكون مصيره الموت.

الغريب و المدهش في الوقت نفسه ان هذه الاكاذيب و الافتراءات الخطيرة تصدر عن اشخاص باسمائهم وتنسب الي القوات المسلحة و المخابرات العامة , ثم تقابل بصمت من الاطراف المعنية , التي لا تصوب او تكذب شيئا منها , الامر الذي يشيع قدرا لا يُستهان به من التسميم و البلبلة و الادراك المغلوط.

4
الملاحظ في كل ذلك ان مؤسسة الرئاسة تعتصم بهدوء غير عادي و تقف متفرجة علي ما يجري , و كانها ليست طرفا في المشكلة , في حين انها الطرف الاساسي المعني بالموضوع بل الطرف المستهدف من كل ما يجري , صحيح انها اطلقت دعوة الي الحوار لم تحقق المراد منها , كما انها تعول علي المبادرات الاعلامية المتمثلة في الاخبار المقترحة التي توزع علي الصحف القومية وتتصدر عناوينها الرئيسة , الا انه من الواضح ان ذلك ليس كافيا لازالة الغضب في الشارع المصري , ولا لتخفيف هذا الاحتقان بين القوي السياسية المتصارعة.

واذا وضعنا في الاعتبار ان الاجهزة الامنية لها حدود في الحيلولة دون انفجار الوضع واشاعة الفوضي في 30 يونيو , فسيبقي امامنا مخرج واحد نعول عليه في تجنب تلك المخاطر يتمثل في المبادرات السياسية.

واذا كان من الواضح ان احزاب المعارضة ليس لديها تصور تقدمه في هذا الصدد وما لديها حتي الآن مجرد شروط تستقوي بالاجواء الراهنة غير المواتية في ظاهرها , فان ذلك لا يعفي مؤسسة الرئاسة من مسؤولية المبادرة باعتبار موقعها علي راس السلطة.

وباب المبادرات الساعية الي التلاقي و الوفاق مفتوح علي مصراعيه . اما طبيعتها فهي متروكة لتقدير الرئاسة , التي لا يعيبها ان تتخذ خطوات الي الوراء لتحقيق ذلك الهدف , لان المعارضة في هذه الحالة ستكون مطالبة باتخاذ خطوات مماثلة ,  اما اذا عاندت و رفضت مؤثرة الانقلاب علي النظام و ليس التوافق معه لتحقيق المصالح العليا للوطن , فان ذلك سيسحب من رصيدها و يشهر افلاسها امام الراي العام .

بقيت بعد ذلك نقطتان , هما :
 ان الرئاسة اذا ما اتخذت خطوة او اكثر الي الوراء فان ذلك لايعد بالضرورة ضعفا , لانه قد يعبر عن الثقة و التضحية من اجل التوافق واعلاء المصالح العليا. وعلي اسوا الفروض فان الاقدام طواعية علي تلك الخطوة اذا اعتبر ضعفا , فانه يصبح افضل كثيرا من الاضطرار الي اتخاذها تجنبا للانفجار وتحت وطاة الانكسار وعدم القدرة علي مواجهة ضغوط الغاضبين و المحتجين. < ان الطرفين المتصارعين حين يطول امد المواجهة بينهما وينشغل كل منهما باقصاء الآخر وتصفيته , فانهم يضعفون الوطن ويهدرون مصالحه العليا التي هي فوق هذا الطرف او ذاك. وازعم ان الصراع الحاصل في مصر له اثره في اضعاف موقف الحكومة المصرية في ملف سد النهضة الاثيوبي , الذي اشك ان حكومة اديس ابابا كان يمكن ان يكون لها موقف مختلف لو انها وجدت في مصر نظاما قويا ومستقرا ومرهوب الجانب. ان اطفاء الحريق المرتقب بات مرهونا بشجاعة المبادرة التي يمكن ان تصدر عن مؤسسة الرئاسة. ولا غضاضة في ان تاتي المبادرة متاخرة , فان ذلك افضل من الا تاتي ابدا , لان الوطن اهم وابقي من الجماعة ومن الرئاسة.

ليست هناك تعليقات :