معتز بالله عبد الفتاح : عيب النخبة المصرية مصنع و لا استخدام ؟
اي ماكينة مصمَّمة لغرض معين تظل صالحة لخدمة هذا الغرض طالما انها مصممة بشكل صحيح , اي لا يوجد فيها عيب مصنع.
ولكن من الوارد ان تعجز الماكينة عن العمل رغما عن سلامة تصميمها اذا حدث ان قرر القائمون عليها ان يسيئوا استخدامها , وهذا هو ما يسمي عيب استخدام.
الديمقراطية ماكينة , و الترتيبات المؤسسية المرتبطة بها تجعلها تنجح اذا التزمنا بقيمها ' principles ' واجراءاتها ' procedures ' وعملياتها ' processes ' . وهي لها كتالوج فيه تحذيرات تقول لك , لا تفعل عشر حاجات مثلا. وتجد عادة بجوارها علامة ' X ' كبيرة كي توضح لك ما الذي ينبغي تجنبه.
مثلا صديقي محمد الميكانيكي يعرف ان عليه الا يضع زيت الموتور مكان زيت الفيتيس , والا يضع سائل مبرد الموتور مكان البنزين , لان كل سائل من هذه السوائل له خصائص ولُزوجة ووظيفة معينة. ومن غير المتوقع ان تقوم كل السوائل بادوار بعضها والا لماذا التمايز؟.
طيب ماذا لو حدث من باب الغفلة او من باب الغلاسة او من باب الغشامة ' والثلاث حاجات موجودة في حياتنا السياسية و الفكرية ' ان قرر احدنا ان يضع نوعا من السوائل مكان السائل الآخر؟ قطعا ستحدث خسارة ما تتوقف علي التفاصيل.
وهذا هو حال مصر بسياسييها الحاليين , الذين يكررون التجربة الديمقراطية الفاشلة قبل ثورة 1952 , حيث كانت تحكم بنفس منطق المكابرة و المكايدة و المزايدة و المعاندة.
هل تتذكرون فيلم اسماعيل ياسين لما الشاويش عطية ساله هل له اخ يشبهه , فنفي اسماعيل ياسين , وبعد بعض الكلمات و التصرفات البلهاء من اسماعيل ياسين , قال الشاويش عطية : ' هو بغباوته ووشه العكر ' .
واعتقد ان هذا هو نفس الفيلم الذي ساله فيه : ' وظيفتك ايه علي المدفع؟ ' فقال له : ' بروروم ' , يعني شغلته علي المدفع ' بروروم ' . ولهذا لم يكن مستغربا , في فيلم آخر , كان فيه اسماعيل ياسين يقود الطائرة , وكان خلفه الشاويش عطية يبتهل الي الله ويقول : ' يا رب ما تجعل نهايتي علي ايده ' .
اسماعيل ياسين يمثل في هذا المقام وفي هذا المقال النخبة السياسية العظيمة التي كانت تحكم مصر قبل ثورة 1952 و التي كانت تعيش معها مصر في حالة من الدائرة الجهنمية للفشل السياسي. اذا جرت انتخابات نزيهة كان يصل حزب الوفد الي السلطة , تم يدخل ' الوفد ' في صدام مع القصر او الانجليز , فيقيل الملك الوزارة ويكلف احزاب الاقلية بتشكيلها , فتؤجل تلك الاخيرة انعقاد البرلمان ذي الاغلبية الوفدية , فيحل الملك البرلمان وتجري انتخابات جديدة تزور نتائجها لصالح الاقلية , فيقوم ' الوفد ' بسلسلة من الاضرابات و الاعتصامات و المظاهرات , ما يدفع الملك الي اجراء انتخابات حرة يعود بعدها ' الوفد ' الي الحكم , فيصطدم ' الوفد ' مع الملك او الانجليز , فيقل الوزارة وهكذا. لدرجة انه خلال الفترة من 1923 حتي 1952 , تشكلت 38 وزارة بمتوسط عمر 9 اشهر للوزارة الواحدة , كما لم يكمل اي برلمان مدته الدستورية باستثناء برلمان عام 1945. وهناك برلمان تم حله في نفس يوم انعقاده في 23 مارس 1925 -- . يعني استمر حوالي 8 ساعات -- . لماذا كل هذا؟
لان الناس لم تلتزم بكتالوج الديمقراطية وتبنوا منطق : المكايدة , و المكابرة , و المعاندة , و المزايدة.
هؤلاء الساسة , كانت شغلتهم علي المدفع ' بروروم ' , وحساباتهم الضيقة كانت السبب في معاناة اجدادنا , و الحقيقة في معاناتنا من بعدهم. لهذا كان سهلا للغاية علي النخبة الجديدة بعد ثورة 1952 ' الضباط الاحرار ' ان تفترس النخبة السابقة وتمنعها من العمل العام , لان الناس لفظتهم وتعشمت خيرا في القادمين بعدهم.
ما يحدث في مصر الآن يقول اننا ندخل في نفس الدائرة الخبيثة من النخب الفاشلة , ومثلما اضاعت نخبة الاجداد مصر وفلسطين , تضيع نخبة الابناء و الاحفاد ما تبقي من البلد.
يا تري هل الديمقراطية لا تعمل في مصر بسبب عيب مصنع ام عيب استخدام؟
واكرر مع الشاويش عطية دعاءه : ' يا رب ما تجعل نهايتنا علي ايديهم. يا رب نجِّ مصر منا. يا رب في هذه الايام المباركة ما تجعلنا السبب في ضياع بلدنا ' آمين.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق