مصطفى النجار : أحيلو العواجيز للتقاعد و ضعو الشباب في القمة
في صيف ٢٠١٢ قابلت في منتدي دولي يبحث علاقة امريكا بالعالم الاسلامي , مسئولة من وزارة الدفاع الامريكية تتولي مسئولية متابعة احدي الدول العربية ضمن ادارة متابعة العالم الخارجي بالوزارة ,
وادهشني ان عمر هذه المسئولة الذي لم يتجاوز الثلاثين ومع ذلك فقد تولت مسئولية بهذا الحجم ولكن بعد الحديث معها ابهرني حجم خبراتها وتنوع دراستها ومعرفتها العميقة بما تولت مسئوليته وحين استفسرت منها عن الدور الذي تقوم به ادارتها وهل يتقاطع هذا مع دور وزارة الخارجية قالت لي لا , لان دور العسكريين يختلف عن السياسيين و الدبلوماسيين وحماية الامن القومي للولايات المتحدة الامريكية يتطلب عملا بحثيا واستخباراتيا مستمرا يتوازي مع عمل الخارجية.
وفي نهاية نفس العام اتيحت لي الفرصة لزيارة الولايات المتحدة ضمن وفد دولي لمتابعة الانتخابات الرئاسية وكان من ضمن البرنامج زيارة لوزارة الخارجية الامريكية ولقاء بعض المسئولين عن ملف الشرق الاوسط , لم تعنني الديباجات الرسمية و البروتوكولية التي يتحدث بها المسئولون الامريكيون عن مصر و الشرق الاوسط و الاستراتيجية الامريكية الجديدة في التعامل مع هذه المنطقة بعد ربيع الثورات العربية وانما كنت اسال باستمرار عن كيفية صناعة القرار وآلية اتخاذه , ووضع الاستراتيجيات الكبري للتعامل مع الملفات الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة.
لاحظ احد المسئولين بالخارجية الامريكية اهتمامي وتركيزي علي هذه المسالة فوجهني الي شخص آخر في نفس سني تقريبا , وقال لي سيجيب عن اسئلتك بشكل تفصيلي يشبع حبك للمعرفة , وبالفعل جلست مع هذا الشاب ليشرح لي كيف يتم اتخاذ القرار في الخارجية الامريكية.
تبدا عملية صناعة القرار من مراكز الابحاث الامريكية المعروفة ب ' Think Tanks ' , وتاثير هذه المراكز علي السياسات الداخلية و الخارجية وعملية صنع القرار في الولايات المتحدة تاثيرا بالغا.
هذه المراكز البحثية منتشرة ومتنوعة في المشهد السياسي الامريكي , اذ يوجد بالولايات المتحدة اكبر عدد من مراكز الابحاث في العالم بما يتجاوز 1800 مركز بحثي متخصص حصل منها معهد ' بروكنجز ' ذو التوجهات الليبرالية و المحسوب علي يسار الوسط علي الترتيب الاول في المراكز الاكثر تاثيرا في الولايات المتحدة و العالم , يليه مجلس العلاقات الخارجية الذي يعد الاكثر تاثيرا علي صعيد السياسة الخارجية , ومؤسسة كارنيجي للسلام الدولي , ومؤسسة ' هيريتيج ' ذات التوجهات المحافظة , ومؤسسة ' راند ' التي تهتم بابحاث وسياسات الدفاع و السلاح و المحسوبة علي يمين الوسط.
تمثل مراكز الابحاث في الولايات المتحدة حاضنات للمفكرين , ومن يرسمون السياسات في مجالات السياسة و الاستراتيجيات و الاقتصاد وقضايا الشان العام.
معظم هذه المراكز تكون مدعومة من جهات حكومية او شركات ويتم الدفع لها بسخاء من اجل الوصول الي معلومات وتحليل كامل ومنهجي للقضية او الملف المطلوب دراسته.
لا يقتصر عمل هذه المراكز علي امداد صناع القرار بالمعلومات و الدراسات و التقارير اللازمة بل تمثل مراكز اعداد للموظفين ورجال الدولة في الادارات الامريكية حيث تضخ العديد من الباحثين المحترفين للعمل داخل دوائر السياسة الرسمية في الولايات المتحدة , وغالبا ما ينتقل عدد ممن تقاعدوا او استقالوا من مناصبهم الرسمية الي العمل في هذه المراكز.
القرار الامريكي ليس قرارا فرديا يتخذه الرئيس منفردا وعلي حسب رغبته او نتيجة لرد فعل معين علي حدث معين كما انه ليس حزبيا حسب الحزب الحاكم.
فالرئيس الامريكي وبرنامج الحزب الذي ينتمي اليه له هامش كبير من الحرية في تحديد ورسم وتنفيذ كثير من السياسات الداخلية خصوصا الاقتصادية مثل النفقات و الضرائب و السياسة المالية , اما فيما يتعلق بالسياسات الخارجية الامريكية الاستراتيجية و المتعلقة بمناطق نفوذها في العالم تضعها وترسمها ' مؤسسات حكم ثابتة لا تتبدل ولا تتغير بتغير الرئيس او الحزب الحاكم ' وهي مصممة علي اساس المصلحة العليا الامريكية , وهي عبارة عن اربع جهات تتولي وضع الاهداف الاستراتيجية الخارجية للولايات المتحدة الامريكية في العالم وتستهدف حماية المصالح العليا الامريكية وهي :
وزارة الدفاع الامريكية ' البنتاجون ' , ووزارة الخارجية , و المخابرات المركزية و الامن القومي الامريكي و الذي يتولي وضع هذه السياسات الاستراتيجية في هذه المؤسسات ليس الوزير وانما مجموعة المستشارين الموجودين في كل مؤسسة من هذه المؤسسات اما المستشارون فغالبا ما يستمرون بعملهم , فهم الاعضاء الدائمون للمؤسسات الحاكمة التي تمثل امريكا وليس الحزب الحاكم.
الرئيس في الولايات المتحدة واعضاء حكومته لا يضعون سياسات او استراتيجيات , وانما هم منفذون لهذه السياسات و الاستراتيجيات , حتي ان الرئيس يقوم بالتنفيذ بواسطة مستشارين في جميع المجالات.
_ _ _
تذكرت كل هذا وانا اتابع كيف يتعامل النظام الحاكم في مصر مع قضايا الامن القومي مثل سد اثيوبيا وسيناء وغيرها , ولعل ما حدث في الاجتماع الاخير الذي اذيع علي الهواء وحظي بقدر تاريخي من الفكاهة و السخرية مما حدث فيه يجعلنا نعيد التفكير هل ستتقدم مصر وهي تدير اهم ملفاتها بهذا القدر من الارتجال و العشوائية؟
نعم نقر بانه لا توجد مؤسسات في مصر ومراكز متخصصة ومنظومة متكاملة تشبه منظومة صناعة القرار الامريكية وهذا ارث قديم لكن بعد الثورة لا يمكن ان تدار مصر بنفس الطريقة.
بدون العلم و المنهجية لن نخطو خطوة للامام , وادارة الدولة ليست بالفهلوة ولا بالاجتهادات الشخصية , اما عن مستوي النخب التي تتصدر المشهد فحدث ولا حرج , كيف نطمئن علي الوطن وهؤلاء حكامه وهؤلاء نخبته؟
الشباب الذين انهمكوا في اطلاق النكات و السخرية لا تسخروا من نخبتكم لان تراجعكم وترددكم وعدم ثقتكم في انفسكم هو ما جعل من هؤلاء نخبة وقادة يتحدثون باسمكم وهم لا يعبرون عن احلامكم وطموحكم , لذا حان الوقت , تجاوزوا هؤلاء واخرجوا من بينكم نخبة جديدة تزيل الركام وتتسلح بالعلم و المنهجية وتاخذ بمصر للمستقبل وتحيل هؤلاء المتكلسين الي التقاعد.
ابنوا المنظومة وغيروا شكل ادارة الدولة في مصر , جيلنا يجب ان يصدق انه يستطيع ان يقود وان هذه لحظته , ابتعدوا عمن يغتالون الاحلام وانطلقوا لتحمل مسئوليتكم تجاه الوطن.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق