الخطأ المصري في حق اثيوبيا و السودان فهمي هويدي


ينبغي ان نعترف باننا في مصر اخطانا في حق اثيوبيا و السودان -- حين سارعنا الي التصعيد مع الاولين دون مبرر , وحين اسانا الظن بالآخرين ايضا دون جدوي. وارجو ان يعد ذلك من قبيل المراجعة ونقد الذات , الذي لا يلغي اية تحفظات علي مواقف الاطراف الاخري.

في هذا الصدد فانني اخشي ان تكون اجواء الهرج و الانفعال التي تسود مصر في الوقت الراهن قد القت بظلالها علي تعاملنا مع ملف سد النهضة , الذي تحول الي مفاجاة صادمة وفرقعة كبيرة مازالت اصداؤها تتردد قوية في خطاب السياسيين وتعليقات الاعلاميين. اذ ليس مفهوما مثلا كيف تفاجا مصر بالحدث بعدما تم بناء 21 في المائة من مشروع السد , واين كانت حين بدا تنفيذ الخطوات الاولي للمشروع؟ وليس مفهوما ايضا ان ترفض مصر يوما ما فكرة بناء السد الاثيوبي حين كان مقترحا ان يستوعب 14 مليار متر مكعب من مياه النيل الازرق , ثم تثور ثائرة المسئولين المصريين حين اعيد تصميمه ليستوعب 74 مليار متر مكعب , ونقرا اخيرا ان خبراء واساتذة الهندسة الهيدروليكية يطالبون الآن بالا تزيد كمية المياه التي يحتجزها السد في حدود 14 مليار متر مكعب فقط , وهي ذات الكمية التي رفضتها القاهرة من قبل.

لقد نشرت الصحف ان وزير الخارجية المصرية سوف يسافر الي العاصمة الاثيوبية غدا لكي يواصل الحوار مع المسئولين هناك بخصوص الموضوع , وتلك خطوة جيدة ومطلوبة لا ريب , رغم انني لا اشك في ان مهمته لن تكون سهلة , بسبب التراشق و التراكمات السلبية التي حدثت في مجري العلاقات بين البلدين خلال الاسابيع الاخيرة , التي اضعفت فرص التفاهم وكادت تقطع الطريق علي محاولات الفهم المشترك.

حين يذهب وزير الخارجية المصري فانه سيجد ان خطوات بناء السد صارت حقيقة ماثلة علي الارض , وان المشروع تحول الي قضية قومية وثيقة الصلة بالكبرياء الوطني في اثيوبيا , وسيواجه بحقيقة اخري مفادها ان مطلب وقف بناء السد الذي دعا اليه البعض لن يجد آذانا صاغية اذا لم يقابل بالصد و الاستهجان. واذا اراد لمهمته ان تنجح فليس امامه من مخرج سوي اقناع الاثيوبيين بجدوي التفاهم حول الموضوع. ولا سبيل لاتمام ذلك التفاهم الا بطي صفحة التشوهات التي اصابت علاقات البلدين , و التنصل من الاساءات التي صدرت من القاهرة بحق الاثيوبيين و الاتفاق علي وقف التراشق الاعلامي بين الطرفين وقررا ان يوقفا الحملات و التصريحات المتبادلة بينهما.

اما حدود التفاهم المفترض فهي تتوقف علي المدي الذي يمكن ان تبلغه استعادة الثقة المنشودة ليس فقط بين القاهرة واديس ابابا , ولكن ايضا بوجود الخرطوم مع العاصمتين.

ان كثيرين يتصورون ان قضية سد النهضة هي الملف الوحيد العالق بين الدول الثلاث , في حين انه يشكل بندا واحدا في سجل العلاقات الذي يتضمن ايضا ملف مبادرة حوض النيل وملف اتفاقية التعاون بين دول حوض النيل الشرقي. ويشكل التعاون المفترض في اطار الاتفاقية الاخيرة فرصة للتفاهم ومعالجة بعض تداعيات مشروع سد النهضة. علما بان اي جهد يبذل مع اثيوبيا لن يكتب له النجاح الا اذا تم بتنسيق تام بين القاهرة و الخرطوم. وهو ما ينقلنا الي النقطة الاخري التي اشرت اليها في البداية , و المتمثلة في اساءة الظن بالخرطوم. الذي يتعين تصويبه بسرعة. واحدث تجليات تلك الاساءة ان بعض الصحف المصرية ذكرت ان السودان تخلي عن موقف التنسيق مع مصر في موضوع النهضة , الذي تعرضت له من قبل. وتساءلت عن مدي صحة الخبر. وقد تلقيت تعليقات عدة حول ما كتبت بعضها معاتبا وبعضها متهما القاهرة بانها تري مصالحها فقط ولا تضع مصالح السودان في الاعتبار.

وقد ذكرني بعض القراء بان بناء السد العالي في مصر ادي الي اغراق 24 قرية سودانية وتدمير مليوني نخلة , ولم تستفد منه السودان من اي جهة , لكنه كان ضارا بها من كل ناحية , ومع ذلك فان السودان سكت ولم يعبر عن اي استياء او غضب. وفي حالة سد النهضة فان السودان يري فيه فوائد كثيرة منها انه يجنبه الفيضانات ويزيد من طاقته الكهربائية ويخفف من عبء الطمي الذي يعاني السودان منه كل عام. في الوقت نفسه فان تضرر السودان من اية اخطاء في بناء السد الاثيوبي امر اخطر بكثير مما يمكن ان يصيب مصر. مع ذلك فان الخرطوم شديدة الحرص علي استمرار التنسيق مع مصر , وهم يشكون من تراخي البيروقراطية المصرية في دفع ذلك التنسيق وتنشيطه. ليس لدي رد علي تلك الملاحظات , لكني اجدها جديرة بالتسجيل , علي الاقل حتي لا يستمر سوء الظن بالخرطوم وحتي نستمع الي وجهة النظر الاخري.

ليست هناك تعليقات :