وائل قنديل يكتب عن المعارضة التي تحولت الى آلة في يد أعداء الوطن لطعن أمن مصر القومي


لا يزال قبضايات حرب الدعاية السوداء يواصلون النواح الكاذب عن الامن القومي المصري , منطلقين من واقعة ذلك الحوار المسخرة بشان التعامل مع ازمة مياه النيل , غير ان المفارقة ان الاصوات ذاتها التي تنتحب خوفا وحزنا علي امن مصر القومي هي التي تمارس انتهاكا لهذا الامن يوميا , وتكد وتتعب في امتهانه و العبث به علي نحو لم تصل اليه اجهزة العدو الصهيوني.

ومن عجب ان الذين غضبوا وسخروا من تسريبات شخصيات سياسية مصرية عن آليات عسكرية لمواجهة السياسة الاثيوبية بشان النيل , يملاون الدنيا تصريحات وتحريضات تتناول المؤسسة العسكرية في مواجهة رئيس الجمهورية الذي هو رئيس المجلس الاعلي للقوات المسلحة , بل ويروجون لشائعات وتخرصات وامنيات مريضة بوقوع حالة انقلابية تدخل البلاد مباشرة الي جحيم الحرب الاهلية.

ولا يمكن لمروج لاكاذيب من نوعية ان القوات المسلحة ترفض حضور قائدها الاعلي احتفالا سنويا لاحد اسلحتها ان يدعي انه حريص علي امن مصر القومي , كما ان الذي يكرس كل طاقته لمحاربة اخوة له في الوطن لا يجوز باي حال من الاحوال ان يزعم انه راغب او قادر في الدفاع عن هذا الوطن ضد اي خطر خارجي -- ومن يصفق ويرقص طربا للتحرشات الاثيوبية بمياه النيل ويتخذها فرصة للنيل من النظام السياسي في بلاده هو آخر من يتحدث عن امن مصر القومي.

كما ان من يضع يده في ايدي خصوم هذه الثورة واعدائها الواضحين لا يحق له ان يتبجح ويزعم انه سيخرج نهاية الشهر لاستكمالها , ومن تهن عليه قطرة الدم المصرية يجب الا يتحدث يوما عن حماية حبة التراب او قطرة المياه.

لقد كنت اتحدث مع مثقف عربي محب لمصر طالبا منه ان يشرح لي كيف يري المشهد المصري من بعيد فصدمني بقوله ' انني توقفت عن تناول ' الحالة المصرية ' اعلاميا لانني احس بقرف شديد ' ثم ذكرني بحكاية قديمة عن اليابان قبل الحرب العالمية اراها معبرة عن الوضع الحالي في مصر بشكل كبير.

تقول الحكاية : كان اليابانيون قديما يجبرون الفتيات الصغيرات علي لبس احذية حديدية تظل في اقدامهن الي ان يكبرن وذلك لانهم كانوا يرون الجمال في الاقدام الصغيرة , كما كانوا يربطون ارجل الصغيرات في سلاسل قصيرة للتحكم في اتساع الخطوة بحيث لا تكون منفرجة آكثر من اللازم -- ولكن تلك الاحذية تسببت بطول المدة في تشويه الاقدام بحيث اصبحت تعجز عن تادية وظيفتها الاساسية وهي حفظ التوازن و السير المنتظم , وتطلب الامر بعد الحرب العالمية الثانية صدور قرار من الحكومة اليابانية بتجريم هذا التقليد الاقرب لمظاهر العبودية.

ولعل هذا ما حدث بالضبط للمصريين في مجتمع وضعته القيادات في احذية حديدية من القمع و البطش و الفساد و القهر فكانت النتيجة ان كل عناصر المجتمع تقريبا اصيبت بما اصيبت به ارجل اليابانيات , فلا رجال السلطة رجال سلطة ولا رجال المعارضة رجال معارضة ولا رجال القضاء رجال قضاء -- الخ , وهكذا اصبح كل يظن ان الحق بجانبه وحده فيتعصب له.

لقد شاهت المعاني وعبئت المصطلحات بمضامين فاسدة , فصار للثورة معان هي للثورة المضادة اقرب واصبح بعض من يسمون انفسهم ' الثائرين ' جنودا في فيالق الثورة العكسية التي تدافع عن مصالح هائلة ولن تتردد في استعمال كل الوسائل للحفاظ علي ما بقي ولاسترجاع ما ضاع.

ان الذين لم يجدوا لهم موقعا في المسيرة السياسية الحالية اصبحوا آلة في يد اعدائها , وفي ذلك يسال النظام.

ليست هناك تعليقات :