فهمي هويدي يكتب : فوجئنا بمشروع سد النهضة و لم نفهم

فوجئنا ولم نفهم. هذه الكلمات الثلاث تلخص موقفنا من مشروع سد النهضة , الذي استيقظنا ذات صباح علي دوي الخبر الرسمي الذي تحدث عن انشاء السد وتناقلته وسائل الاعلام. وخلال ساعات تحول الي قنبلة لاتزال اصداؤها تتردد قوية في الفضاء المصري منذ يوم الثلاثاء الماضي , ولست متاكدا مما اذا كانت الدولة قد فوجئت مثلنا بالخبر ام لا , لكني استطيع القول بانها اذا لم تكن تعرف فتلك مصيبة لا ريب , اما اذا كانت تعرف وسكتت فالمصيبة في هذه الحالة لا بد ان تكون اكبر واعظم.
لقد قال الناطق باسم الحكومة الاثيوبية شيملز كمال ان عملية تحويل مجري النهر الازرق ستبدا من مكان قريب من موقع بناء السد , من خلال قناة جانبية اكتمل انشاؤها بالفعل , وهو ما يعني ان عملية الاعداد لبناء السد بدات منذ عدة اشهر , ولا اظن ان امرا بهذه الاهمية و الحساسية يمكن ان يغيب عن اعين السفارة المصرية في اديس ابابا. ثم اننا علمنا بان لجنة ثلاثية اشتركت فيها الدول الثلاث ' مصر و السودان واثيوبيا ' كلفت ببحث مشروع السد من جميع جوانبه , خصوصا تاثيره علي حصة مصر و السودان من المياه , فضلا عن الجدوي الاقتصادية التي تتوخاها اثيوبيا من انشائه. وتلك خلفية ترجح ان السلطات المصرية كانت علي علم بالخبر , في حين ان المفاجاة كانت من نصيب الراي العام , الذي حجبت عنه معلومات الموضوع لسبب او آخر.
حين فوجئ المجتمع بالحدث فان التصريحات الرسمية ضاعفت من حيرة الناس وبلبلتهم. فقد تحدثت تصريحات عن ان السد لن يمس حصة مصر من المياه بشكل مباشر. وشددت تصريحات اخري علي ان مصر لن تفرط في اي نقطة مياه واحدة من الكمية التي تصل اليها من اعالي النيل , وان هناك سيناريوهات للتعامل مع جميع النتائج المتوقعة , ثم فوجئنا بان اللجنة الوطنية المصرية التي شكلت في جامعة القاهرة وضمت عددا من خبراء الري و الفنيين ذكرت ان السد الاثيوبي سيؤدي الي انخفاض كهرباء السد العالي بنسبة 40 في المائة وحصة مصر من المياه بنسبة 20 في المائة . بالتوازي مع ذلك ترددت اشارات حول احتمالات التدخل العسكري من جانب مصر لايقاف المشروع. وذكرت بعض الصحف ان المخابرات الحربية طلبت ادارة معركة المياه. والمحت مجلة ديلي اثيوبيا الي ان مصر تشاورت مع السودان في شان الخيار العسكري وامكانية استخدام طائرات اف 16 المصرية لاجوائه في عملية ضرب سد النهضة. لكن كل تلك التلويحات توقفت في لحظة وبدا الحديث الصريح عن استبعاد الخيار العسكري , وتفضيل القوة الناعمة و التعويل علي التفاهم و الحلول الوسط التي تخدم مصالح كل الاطراف. وهذه البلبلة تلقيناها ايضا فيما خص الطرف السوداني , حيث طالعنا في البداية تصريحات تحدثت عن الصدمة و المفاجاة وغضب سلطات الخرطوم , ثم قرانا في وقت لاحق ' الجمعة 31/5 ' تصريحات للدكتور احمد بلال وزير الثقافة و الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية قال فيها ان بلاده ليست ضد اقامة السد الاثيوبي وان المشروع يمكن ان يكون مفيدا للسودان , وان انجاز المشروع لن يؤثر علي حصة كل من السودان ومصر من المياه.
لا يفوتنا هنا تسجيل الموقف العبثي الذي تبنته بعض وسائل الاعلام المصرية التي لم تكترث بالمشروع الاثيوبي او تداعياته , ولم تر فيه سوي انه ضربة موجهة الي الرئيس مرسي و ' سد ' جديد في وجهه. ومن ثم قدمت نموذجا للمعارضة التي اعمتها حساباتها ومراراتها الخاصة عن رؤية المصالح العليا للوطن , وباتت مستعدة لهدم اي شيء وتقويضه مادامت النتائج تصب في وعاء تلك الحسابات.
مستغربا غياب الشفافية عن التعامل مع الموضوع كله , ازاء البلبلة الحاصلة التي تسهم في الحيرة ولا تساعد علي فهم شيء مما يحدث , فانني حاولت تحري الامر من جانبي , ورجعت في ذلك الي بعض المصادر الخاصة التي اثق في صلاتها وخبراتها , فقيل لي ان مصر حريصة علي عدم التصعيد مع اثيوبيا , وانها تعلق املها في الوقت الراهن علي التفاهم بين البلدين و التوفيق بين مصالحهما. ذلك ان اثيوبيا تريد من السد الطاقة الكهربائية وليس المياه , في حين ان مصر تعنيها من سد النهضة المياه وليس الكهرباء. وهذه المعادلة تفتح الباب لامكانية تفاهم البلدين دون ان تتعارض مصالحهما بالضرورة. وكان ذلك وراء الحرص علي سفر رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل الي طوكيو يوم الخميس الماضي لتمثيل مصر في مؤتمر منظمة ' تيكاد ' للتعاون بين اليابان و الدول الافريقية , خصوصا ان رئاسة دورة المؤتمر الحالية سيتولاها رئيس وزراء اثيوبيا الي جانب رئيس الحكومة اليابانية.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق