أيمن الصياد يكتب : من أوراق راشد الغنوشي نكشف الفرق بين مصر و تونس بعد نجاح الثورة


في الطائرة المتاخرة لساعتين في مطار قرطاج بدات كتابة هذا المقال , بعد ان راجعت اوراقا حرص صديق تونسي علي ان يعطيها لي كراي رآه كافيا في ' موضوع ' كان محور نقاش علي عشاء ضم عددا من المثقفين من مشارب فكرية مختلفة. و الموضوع كان حول المقارنة بين ادارة المرحلة الانتقالية في كلا البلدين . مصر وتونس. و الاوراق كانت تضم ' نصا ' لمحاضرة القاها مؤسّس ورئيس حركة النهضة في تونس ' الشيخ راشد الغنوشي ' . ورغم ان للشيخ اطروحات سابقة مهمة حول الموضوع , الا انني , وبغرض ان يراجع بعض المروجين للاستقطاب الديني في مصر انفسهم , آثرت ان اخصص هذه المساحة لعرض ' آخر ' ما قاله المفكر الاسلامي وزعيم حركة النهضة التونسية وعضو مكتب الارشاد العالمي لجماعة الاخوان المسلمين في محاضرته الاخيرة بالعاصمة الامريكية واشنطن ' 29 مايو 2013 '

●●●

يتحدث ' الشيخ ' عن اشكالية الانتقال الديمقراطي و التحديات التي تواجهه. ولربما كان من اهم ما قاله في محاضرته هو تاكيده نصا علي ان : ' قناعتنا ان الاغلبية البسيطة لا تكفي في مراحل الانتقال , واننا نحتاج ائتلافا واسعا لنوجه رسالة مفادها ان البلد للجميع ' ,

ويضيف الغنوشي نصا : ' لقد حاولنا كل ما في وسعنا لتجنب الاستقطاب الايديولوجي , لانه وصفة للفوضي و الفشل. ولهذا السبب قدمنا عديد التنازلات سواء في ادارة شئون الحكومة او صياغة الدستور , لتجنب هذا الخطر. ونحن نعتقد اننا في حاجة الي التعايش بين العلمانيين و الاسلاميين في دائرة الترويكا علي قاعدة مجموعة من القناعات منها :

لا يوجد تناقض بين الاسلام و الديمقراطية. واذا كانت الديمقراطية لا تعني ان الحكم يجب ان يكون فقط للعلمانيين , فحسب واعتبار الاسلاميين عدوا للدولة التي عليها ان تسجنهم او ترسلهم الي المنافي. فهي لا تعني ايضا استبعاد العلمانيين من السلطة وتهميش دورهم في السلطة او في صياغة الدستور لانهم لم يحصلوا علي الاغلبية في الانتخابات

ان صعود الاسلاميين للحكم لا يعني انهم سيستحوذون علي الدولة و المجتمع لمجرد كونهم حزب الاغلبية علي النحو الذي كان يمارس في المنظومة السلطوية. ليس من دور الدولة ان تفرض نمطا معينا للحياة , بل دورها توفير الامن و الخدمات لمواطنيها وان تتيح لهم حرية اختيار نمط حياتهم

ان الصراع بين العلمانيين و الاسلاميين و الذي استمر لعقود من الزمن هدر طاقات كثيرة وساعد الدكتاتوريات علي التحكم في مصير بلداننا. وعلي هذا الاساس فان التحالف بين العلمانيين و الاسلاميين امر حيوي لمجتمع حر قادر علي ادارة اختلافاته علي اساس الحوار ' .

ويلخص زعيم حركة النهضة ما ذهب اليه في عبارة واحدة : ' نحن نعتقد ان المعتدلين من الاسلاميين و العلمانيين بمقدورهم بل عليهم ان يعملوا مع بعضهم وعليهم ان يجدوا توافقا لبناء وفاق واسع ' .

عن ' الدستور ' يقول لنا الغنوشي , ' وانا هنا حريص علي النص ' : ' المبدا الاساسي الذي نتبنّاه في صياغة دستورنا هو ان لا يكون هذا الدّستور فقط دستور الاغلبية بل يجب ان يكون دستور كلّ التونسيين دون استثناء وان يتسنّي لجميع التونسيين ان يروا انفسهم في هذا الدّستور و ان يشعروا بانّه يمثّلهم سواء ان كانوا اغلبية او اقلّية ' .

ويضيف : ' من اجل تحقيق هذا قمنا بتنظيم مشاورات واسعة مع مختلف الاطراف السياسية ومع منظمات المجتمع المدني ومن خلال هذه العملية حاولنا بلوغ اكبر قدر من التوافق حول الدستور. ولكن عندما واجهنا خلافات جدّية حول قضايا حسّاسة مثل الشريعة , نظام الحكم رئاسي ام برلماني , وحول حرية الضمير , وكونية حقوق الانسان , قمنا بتنظيم حوار وطني للوصول الي التّوافق , وانتهي بنا المطاف الي التوصل الي حلول توافقية حول هذه القضايا الشّائكة وبالتالي قبل حزب حركة النهضة التّخلّي عن مسالة اقحام احكام الشريعة الاسلامية في الدستور لان هذه الفكرة لم تكن واضحة للشعب التونسي ' .

ولا ينفي المفكر التونسي ان هناك متاعب ' داخلية ' صاحبت ما جري فيطلعنا علي ان : ' بعض الناس ضمن حزبنا ينعتوننا بانّنا تحولنا من حزب القيادة الي حزب التنازلات , لكننا نقول لهم بما اننا الحزب الاكبر في البلاد فانه لدينا مسئوليات اكبر تحتّم علينا تقديم التّنازلات الضّرورية لمساعدة البلاد علي المضي قدما ' .

●●●

هذا بعضٌ من ' نص ' ما قاله الرجل , وبعضٌ من حديث لم يجد حرجا في ان ينطق بلفظة ' العلمانيين ' , ولا في ان يعتبرهم شركاء في الوطن , ومن ثم فهم شركاء في التخطيط لمستقبله.

ومع ادراكي الكامل لتباين في التعريف , ولتشويه معرفيِّ لَحِق المصطلح , ولحقيقة ان جل من يتناول في حديثه اليومي او تعليقاته علي الانترنت مصطلحات من قبيل ' ليبرالية ' , ' وعلمانية ' , ' واشتراكية ' -- الخ , لم يكلف نفسه يوما عناء البحث عن المعني او التعريف في كتب السياسة او قواميسها , ازعم اننا في مصر لم نكن نتحدث حتي عن ' علمانية ' كان هناك من حاول ان يختصر فيها ' بخطاب تحريضي ' تعريف المعارضة , بل كنا نتحدث احيانا عن منتسبين للفكرة الاسلامية , وجدوا انفسهم غير مرة علي الضفة الاخري من خندق عميق حفره من بدا بالتجربة انهم لا يثقون الا في انفسهم. و القائمة طويلة فيها طارق البشري , واعتراضاته مسجلة علي صفحات هذه الصحيفة , واحمد كمال ابوالمجد , وهبة رءوف وصلاح عز . الذين انسحبوا من اعمال تاسيسية الدستور , اعتراضا واحتجاجا. بالاضافة طبعا الي نائبي المرشد العام السابقين عبدالمنعم ابوالفتوح ومحمد حبيب. فضلا عن قائمة اضافية طويلة يعرفها كثيرون , واعلم انهم آثروا الصمت بعد ان يئسوا من فائدة الكلام… الا ان ذلك , وهو حقيقي , لم يمنع ابدا تجار الاستقطاب من رفع راية ' الحرب المقدسة ' وتصوير خلاف سياسي علي انه ' حرب ' بين جند الله واعداء دينه , غير عابئين لخطورة اللعب بنار خطاب يؤسس لمثل هذا الاستقطاب.

●●●

وبعد --

فلا اعرف ان كان الغنوشي يعني ' كل ' ما قاله علنا ام لا. فالله اعلم بالسرائر. ولكني احسبه كذلك. كما لا اعلم ان كانت رسالته وصلت ام لا. ولكني اخشي ان اسمع من يقول : ' مصر ليست تونس '

-- ليت الليلة لا تشبه البارحة.

ليست هناك تعليقات :