قبل الانفعال علينا الجلوس مع اثيوبيا


عماد الدين حسين ... في العلاقات الدولية عندما تهدد بشيء ولا تنفذه تخسر فورا وتفقد سلاح ردعك تماما , وتتحول الي اضحوكة بين الدول , مثلما هي صورة نظام الاسد في سوريا الذي يهدد اسرائيل منذ عام 1973 بالويل و الثبور ' واختيار زمان ومكان المعركة ' , ثم يتلقي الصفعة تلو الصفعة ولا يردها للاسف.

في العلاقات الدولية ايضا فان التهديد باستخدام القوة يتم عندما تستنفد كل الوسائل غير العنيفة.

اما عندما تبدا بالتهديد بالقوة كاول خيار فمعني ذلك انك مستجد وهاو وبلا خبرة في عالم السياسة , بل ربما تتسبب في تعميق خسارتك.

بعد هذه المقدمة النظرية يتمني المرء الا ندفع ثمنا باهظا جراء المؤتمر الغريب الذي جمع الرئيس محمد مرسي مع السياسيين قبل حوالي اسبوعين , وتباري فيه الجميع في توجيه التهديدات لاثيوبيا وكل افريقيا , بل و السخرية من السودان.

اتمني ان اكون انا وغيري مخطئين , وان يكون اصحاب نظرية ' دبلوماسية التهديد علي الهواء مباشرة ' لديهم من العلم و المعرفة ما نعجز عن فهمه وبما يمكنهم من حسم معركة المياه لصالحنا.

الرئاسة جمعت سياسيين من اطياف شتي وجعلتهم يهددون اثيوبيا بطريقة فجة من قلب مؤسسة الرئاسة. الرد الاثيوبي جاء سريعا : حملات اعلامية مماثلة , عمقت من الخلاف بين البلدين وربما تعمق الخلاف بين الشعبين , تم تصديق البرلمان الاثيوبي علي معاهدة عنتيبي , و الشروع الفعلي في بناء سد النهضة , وتصريحات يومية تتهم المصريين بالاستعلاء و العنصرية و العدوانية.

من سوء الحظ ان كرة الثلج تدحرجت اكثر وراينا الرئيس الاوغندي يوري موسيفيني يهاجمنا ويطالب بقية بلدان حوض النيل بانشاء سدود مماثلة , بل دخلنا في معركة لا لزوم لها مع السودان الشقيق الذي يفترض انه سندنا الوحيد في المعركة الممتدة بعد ان اعلنت جنوب السودان نيتها التوقيع علي ' عنتيبي ' .

الاداء المصري في معالجة الازمة اتسم بالانفعال الشديد , بل -- وربما اتسم بالتهور , وقد نحتاج وقتا طويلا حتي نعود لمستوي العلاقات مع اثيوبيا الي نقطة ما قبل مؤتمر السياسيين الهواة في القصر الجمهوري.

زيارة وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو الي اديس ابابا و المفترض ان تبدا اليوم الاحد خطوة علي الطريق الصحيح , حتي نعرف كيف يفكر الطرف الاثيوبي عمليا , والي اي مدي يريد ان يذهب. ومن سوء الحظ فان الحرب الاعلامية الشعواء بين البلدين ستمثل عبئا شديدا علي مفاوضات المسئولين.

ليس معني الكلام السابق ان ' ندير خدنا الايسر اذا ضربتنا اثيوبيا علي خدنا الايمن ' , بل ان نستخدم كل كارت او سلاح في وقته.

يمكننا ببساطة ان نجلس مع الاثيوبيين مثلما نفعل مع الصهاينة ونقول لهم : ' انتم تعلنون ليل نهار انكم لا تريدون المساس بحصتنا من المياه , ونحن نصدقكم , لكننا نريد منكم ترجمة ذلك علي الارض عبر اجراءات محددة خصوصا فيما يتعلق بحجم السد وكيفية تشغيله ومدة ملء خزانه ' .

ليس من الحكمة الدخول في صراعات مع كل بلدان حوض النيل , علينا ان نبحث في كل الحلول المتاحة سلما , وفي اللحظة التي نصل فيها الي يقين كامل بان اليد الممدودة بالسلام لا تجد من يقابلها , يحق لنا ان نهدد ونتوعد , اما قبل ذلك فهو اقرب الي ' الخناقات الصبيانية في الحواري المزنوقة ' .

ليست هناك تعليقات :