فهمي هويدي يكتب : المشغول الأوحد بالقضية

السيد جون كيري وزير الخارجية الامريكي قلق علي الاوضاع الاقتصادية للفلسطينيين , ويعتبر ان اسهامه الابرز في عملية السلام يتمثل في تحسين احوالهم من خلال ضخ مبلغ 4 مليارات دولار في الاقتصاد الفلسطيني , في اطار خطة ' تعب ' عليها هو السيد توني بلير ممثل الرباعية الدولية. من شانها تخفيض نسبة البطالة من 22 في المائة الي 8 في المائة فقط وزيادة الناتج المحلي الفلسطيني بنسبة 50 في المائة خلال 3 سنوات. ولانعاش الاقتصاد الفلسطيني فانه طالب الاسرائيليين بالمصادقة علي المشروعات الفلسطينية في المنطقة ' ج ' الخاضعة للاحتلال التي منها اقامة مدينة سكنية واخري صناعية في الاغوار ومشاريع سياحية علي البحر الميت , ومناطق صناعية ومحطات لنقل الوقود و الغاز في انحاء مختلفة من الضفة.
وبقدر ما ان كلامه عن الاقتصاد كان واضحا امام المنتدي الاقتصادي العالمي ' دافوس ' الذي انعقد في الاسبوع الماضي علي ضفاف البحر الميت بالاردن , فان حديثه عن الجانب السياسي كان غامضا وملتبسا , فقد ذكر ان الطرفين الفلسطيني و الاسرائيلي مطالبان باتخاذ ' قرارات صعبة ' , لم يشر الي طبيعتها , ولكن المصادر الغربية تحدثت عما سمته ' مبادرة ' من جانبه دعت الطرفين الي الشروع في التفاوض علي الحدود و الامن , ومطالبة اسرائيل بعدم طرح او المصادقة علي اي عطاءات للبناء في المستوطنات اثناء المفاوضات واطلاق الاسري الفلسطينيين المعتقلين منذ ما قبل اتفاق اوسلو. ' وهي مقترحات رفضتها اسرائيل ' . وذكرت تلك المصادر ان مبادرة كيري تلك ستكون الفرصة الاخيرة لاحلال السلام , ولن يحاول احد بعده التدخل في العملية.
اللافت للنظر ان وزير الخارجية الامريكي ما ان غادر المنطقة بعد زيارته الرابعة التي قام بها منذ تسلمه منصبه في فبراير الماضي ' بمعدل زيارة كل شهر ' , حتي اعلنت اسرائيل عن مشروعين لبناء الف وحدة سكنية في القدس الشرقية. الامر الذي اعتبر تحديا علنيا لجهوده واستخفافا بمبادرته. وما كان لاسرائيل ان تخطو تلك الخطوة لولا انها تدرك انها في الموقف الاقوي امام الادارة الامريكية , التي اثبتت التجربة انها خلال الفترة الثانية من حكم الرئيس اوباما علي الاقل لا تملك استراتيجية واضحة للتعامل مع الشرق الاوسط عموما و القضية الفلسطينية خصوصا , لاسباب يطول شرحها. بعضها يتعلق باولوية الشئون الداخلية الامريكية و البعض الآخر وثيق الصلة بقوة نفوذ اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة , و البعض الثالث راجع الي تركيز النظر الامريكي الخارجي علي تنامي قوة الصين ومتغيرات الشرق الاقصي. وهي عوامل ادت الي تراجع الاهتمام الامريكي بالمنطقة وتهميش القضية الفلسطينية.
كما رايت فان مبادرة ' الفرصة الاخيرة ' للسيد جون كيري انصبت علي الاقتصاد ولم تتطرق الي السياسة الا في حدود رفع العَتَب وابراء الذمة. ومن المبالغة القول بان انعاش الضفة هو الهدف , لان الهدف الحقيقي هو تسكينها سواء ببيع وهم الرخاء للفلسطينيين او بتشديد القبضة الامنية عليهم , لتجنب انطلاق الانتفاضة الثالثة التي ستكون اعنف وابعد بكثير من الانتفاضتين الاولي و الثانية.
تحضرنا في هذا السياق التصريحات التي ادلي بها اخيرا الدكتور حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني , وتحدث فيها عن مصير اموال المساعدات التي تتلقاها السلطة , وكيف انها وجهت الي تعزيز الاجهزة الامنية بحيث اصبح لكل 50 مواطنا رجل امن يراقبهم. كما انها وسعت من قاعدة المستفيدين من السلطة التي شكلت 14 حكومة منذ انشائها في عام 1994 , وهذه الحكومات اسفرت عن ظهور جيش مواز ضم نحو 350 وزيرا يتقاضون رواتبهم مدي الحياة. بحيث صار لكل عشرة آلاف فلسطيني وزير. وكانت نتيجة ذلك ان المال العام ذهب الي الاجهزة الامنية وشرائح النخب وليس لاسر الشهداء و الجرحي و الفقراء ' الحياة اللندنية 25/5 ' .
قبل ايام سالت الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي الدكتور رمضان شلح ' ابوعبدالله ' عن رايه في مدي الاهتمام بالقضية الفلسطينية في ظل المتغيرات الراهنة , فكان رده ان واحدا فقط من المسئولين في المنطقة هو الذي لايزال يركز في القضية ويعطي كل وقته للتعاطي معها. وهذا الشخص ليس سوي بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسراذيلي الذي يكرس كل وقته ويوظف كل حيله ومناوراته ويستثمر كل فرصة متاحة لتصفية القضية واحكام اغلاق ملفها ومحو اسم فلسطين من الجغرافيا علي الاقل. وربما شجعه الاسترخاء الحاصل علي ان يحاول محوه من التاريخ ايضا.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق