معتز بالله عبد الفتاح يكتب : على مرسي الخروج للناس بكشف حساب سنة الحكم الأولى و الا الاستقالة


هل اخطا المصريون بانتخاب الدكتور مرسي , ام اخطا مرشحو الثورة بان تنافسوا لصالح غيرهم سواء من الاخوان او من النظام القديم؟

المصريون قرروا ان يجربوا شيئا جديدا , ان ينتخبوا نمطا مختلفا من التفكير و الادارة , نمطا ادعي انه افضل وانه لو اُعطي الفرصة فسيحقق نجاحات لا يحققها غيره . لذا انتخبوا الدكتور مرسي. وتقديري المتواضع ان قطاعا واسعا من المصريين بمن فيهم غير مناصريه تفاءل خيرا واعطي دعما مشروطا للرئيس الجديد , لكن الشروط كانت مرتبطة بالانجاز.

وربما تتذكرون حضراتكم انه في يونيو 2012 , وقبل انتخابات الرئيس , حددت مهام الرئيس الجديد , ايا من كان , في خمس جمل , ونصحت من يشغل المنصب ان يكتبها او يكتب مثلها ويضعها امامه علي مكتبه , وهو ما افعله انا دائما حين يكون عندي مهمة جديدة. وبالمناسبة انا اكتب هذا المقال وعندي ورقة مكتوب عليها : ' لماذا نتخلف ويتقدم غيرنا؟ ' وهي بالنسبة لي العبارة المفتاحية التي تشكل بالنسبة لي البوصلة في ما اكتب وفي ما اقرا وفي ما اقول.

لذا تمنيت علي الرئيس آنذاك ان يكتب هذه الجمل : ' امن بلا استبداد , تنمية بلا فساد , دستور جامع بلا استبعاد , واخراج العسكر بلا عناد , ودور اقليمي نشط بلا استعداء ' .

وبعد عدة اشهر كتبت مقالا سجلت فيه تعليقي علي اداء السيد الرئيس. واعلم ان كثيرين يختلفون معي في فكرة التقييم اصلا , لكن حتي الطالب الذي يمر بامتحان صعب عليه ان يوضح اسباب الصعوبة وما هو في اطار سيطرته وما هو خارج عنه.

حين جاء الرئيس مرسي الي السلطة ظننت انه قادر علي ان يحقق هذه الخماسية -- الاشارات الاولي كانت ايجابية , رجل حريص علي ان يستمع للجميع وان يتفاعل مع بعض معارضيه ويشكل فريقا رئاسيا متنوعا لحد ما , حتي ان كان اقل مما التزم به من وعود اثناء الفترة الانتخابية. كان اول انجازاته هو اخراج العسكر من اللعبة السياسية بطريقة موفقة , وهذا كان جزءا من اهدافي المتواضعة منذ ان بدا , وقلته مرارات وتكرارا , هدفنا ان يسلم المجلس العسكري السلطة بسرعة ويخرج منها سليما لاننا نخاف منهم ونخاف عليهم. نخاف منهم لان السلطة شهوة , وفي حالتنا هذه فان استمرار العسكر في السلطة يعني ان الثورة كانت انقلابا عسكريا في نهايتها رغم انها كانت ثورة شعبية في بدايتها. كما انني كنت اخشي علي القوات المسلحة من الانقسام , سواء الافقي او الراسي , وكما قال اللواء عبدالفتاح السيسي في لقاء له مع عدد من الناس في مرحلة ما قبل توليه لمسئولية وزير الدفاع : ' لو الدولة لا قدر الله وقعت , القوات المسلحة تقومها من تاني , لكن لو القوات المسلحة وقعت , ما حدش هيقومها ولا هيقوم البلد من تاني ' . و الكلام صحيح , الا عند المواطنين ' المماطفين ' الذين كنت اتحدث عنهم بالامس في برنامج ' باختصار ' . حيث هؤلاء لا يرون ولا يسمعون الا اصواتهم الحمقاء التي يمكن ان تفضي بنا جميعا الي الهاوية.

انظر حولك , انظر الي دول وجيوش المنطقة -- معظم العرب اصبحوا بلا سيف ولا درع -- وهذا ما لا نريده لبلدنا او لجيشنا. الاهم ياتي بالضرورة قبل المهم. اذن علي هذا المستوي , نجح الدكتور مرسي ان يُخرج العسكر من اللعبة السياسية , لكنه مع الاسف اساء ادارة الملفات الاخري واصبح هناك من يراهن علي عودتهم , وهو خطر فوق كل خطر.

من المهام الخمس للرئيس كان الدور الاقليمي النشط وكانت مقدماته جيدة بعدد من الزيارات , لكنه فجاة توقف ولم تزل العلاقة مع بعض الدول المفتاحية في المنطقة يغلب عليها الركود بل العداء. و العجرفة المصرية التقليدية اختلطت علي صانع القرار السياسي , فلا كسب المترددين في دعم مصر ولا نجح في ادارة الملفات الخارجية علي نحو يضمن مصالحنا الحيوية. ولم يزل الاجتماع ' السري العلني ' الشهير بشان مياه النيل علامة بارزة علي سوء ادارة الدكتور مرسي للبلاد.

اما الدستور الجامع بلا استبعاد فكان متفقا مع الوعد الرئاسي بدستور توافقي , وهو المنطقي من اي رئيس يدرك مخاطر قيادة سيارة اهلها متصارعون. وكانت امامه الفرصة , سواء لو تم حل الجمعية التاسيسية , وهذا ما اقترحته , او مضي وقتها دون اتمام عملها بان يشكل لجنة من قانونيين دستوريين مستقلين لمراجعة الدستور وتقديمه للاستفتاء بعد التخلص من المواد الخلافية . اما بردها الي اصولها في دساتير مصر السابقة , واما بالغائها وتركها للبرلمان. وهذا الكلام جاء في هذا العمود اكثر من مرة خلال الشهر السابق علي الاعلان الدستوري في نوفمبر 2012 , ووصل الي مؤسسة الرئاسة باكثر من طريق. كنت اقول هذا وانا علي يقين ان التوافق داخل ' التاسيسية ' كان مستحيلا حتي لو ظلت الجمعية في عملها لشهور . لان الخلافات استحكمت لدرجة لا يمكن معها الاتفاق , لا سيما مع تغيير بعض المنسحبين لآرائهم عدة مرات بشان القضية الواحدة علي نحو جعل الحوار في بعض فتراته عبثيا. لكن الرئاسة فقدت احد اهم مقومات اي رئاسة , وهي سمعتها بانها تفي بالعهد وتلتزم بالوعد . فلا الدستور جاء جامعا رغم ان الكرة كانت في ملعب الرئيس , ولا مجلس الشوري , الذي كان الوعد ان يتم تعيين 90 من المعارضة فيه لتصبح نسبة سيطرة التيار المحافظ دينيا في حدود 55 في المائة , لكن هذا نفسه لم يتم الالتزام به من الرئيس.

المعضلة هنا ليست في ما مضي فقط , ولكن كيف يحكم الرئيس بعد ان فقد جزءا كبيرا من مصداقيته؟ هناك قرارات كثيرة صعبة جدا سيحتاج معها دعما سياسيا وشعبيا كبيرا لا يمكن ان يحصل عليه الا بدعم معارضيه له , وهذا ما كان يفعله الرئيس مبارك في بداية فترة حكمه , وما انقلب عن التشاور مع معارضيه الا في السنوات العشر الاخيرة من حكمه , لكن يبدو ان الرئيس الحالي قرر ان يبدا من حيث انتهي ' مبارك ' , وهي بداية غير موفقة بالمرة.

اما جملة ' امن بلا استبداد ' فقد اصبحت هي الاخري في مهب الريح علي نحو يثير التساؤل. اين وزارة الداخلية من تطبيق النص الدستوري القائل : ' ويجب ان يبلغ كل من تقيد حريته باسباب ذلك كتابة خلال اثنتي عشرة ساعة , وان يقدم الي سلطة التحقيق خلال اربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته , ولا يجري التحقيق معه الا في حضور محاميه , فان لم يكن , نُدب له محام. ولكل من تقيد حريته , ولغيره , حق التظلم امام القضاء من ذلك الاجراء و الفصل فيه خلال اسبوع , والا وجب الافراج عنه حتما ' ؟ هل استبدلنا بالسجّان القديم سجانا آخر؟ وهل نصنع ديكورا ديمقراطيا يخفي وراءه الديكتاتورية الجديدة؟

اما التنمية بلا فساد , فاصبحنا نشكو من اننا نعيش في فساد بلا تنمية.

ضع كل ما سبق في اطار التساؤل الاساسي , ليس : لماذا يتمردون؟ ولكن لماذا لا يتمردون وقد خلقنا لهم البيئة الملائمة تماما للتمرد؟

ما الذي يمكن ان يفعله الرئيس؟ عليه ان يخرج علي الناس ليناقش معهم كل محور من هذه المحاور : يوضح ما نجح فيه , ويفسر ما اخفق فيه , ويعتذر عمّا قصر فيه , والا فليستشعر الحرج ويعلن الاستقالة.

ليست هناك تعليقات :