وائل قنديل يكتب عن الثورة الفكاهية و تحرك قليلي القيمة و الحيلة


' تشبيه الحراك التركي بالحراك و الربيع العربي يقلل من قيمة و اهمية الاعتصامات و الاضرابات التركية ' ما بين القوسين ليس كلامي , بل كلام ' جورسال تكين ' نائب الامين العام لحزب الشعب الجمهوري في تركيا , اهديه لاولئك الفكاهيين المرحين الذين يرون في انفسهم قادة ثورة عالمية كوكبية ضد مظاهر حكم الاسلام السياسي علي ظهر البسيطة , و الذين اعلنوا ان 30 يونيو القادم هو موعدهم لاسقاط انظمة الحكم في كل من مصر وتركيا وتونس.

لقد تصور ' الثوار الظرفاء ' في مصر ان العالم يضبط ساعته الثورية حسب توقيتهم , وتخيلوا انهم اذا اصيبوا بنوبة زكام ثورية عطست الجماهير في قارات الدنيا الست , وتحركت الجموع باشارة منهم.

وحين اندلعت مظاهر الاحتجاج العنيف في اسطنبول وانقرة راينا وسمعنا بعضا من المنتفخين وهما وجهلا بالقاهرة يروجون ان الشعب التركي انتفض وثار علي ايقاعات ' ثوار ما بعد الثورة ' في القاهرة , وذهب بعضهم الي ابعد من ذلك حين ادعي ان ما يدور علي الاراضي التركية هو استلهام لما يبشرون به في مصر , وان تنسيقا تم بين مثلث ' القاهرة انقرة تونس ' لقيادة الحرب ضد الاسلاميين في العواصم الثلاث.

وشاهدنا في القاهرة احتفالات طروب باتساع رقعة العنف في الشوارع التركية , علي اعتبار ان الاحداث هناك ابنة شرعية لما يدور هنا , وعلي طريقة تباهي ال ' -- -- . ' بشعر بنت اختها , غير ان كلام نائب الامين العام لحزب الشعب التركي لصحيفة ' الشرق الاوسط ' امس حمل ملمحا من الازدراء للحراك الموجود في الشارع العربي حين قال نصا وبكل عنجهية ' لا يمكن لنا ان نشبه ما يجري في ميدان تقسيم بما جري في ميدان التحرير , ولا يمكن ان نصف الوضع في تركيا كالوضع في دول الشرق الاوسط , فالحراك في تونس ومصر يختلف عن تركيا التي عاشت حقبات طويلة من اجل ارساء اسس الديمقراطية منذ عدة عقود ' .

ويضيف ' نحن لنا في الحراك الديمقراطي تجربة طويلة , تركيا لم تكن في ازمة اقتصادية كما كانت تعيش مصر وتونس. تركيا الآن تعيش مرحلة من النمو الاقتصادي واصبحت من الدول ذات الاقتصاد المرتفع ' .

وبصرف النظر عن ان هذا الكلام المتعجرف يحمل اهانة بالغة لثورتي الربيع العربي في كل من تونس ومصر ' الربيع وليس خريف الثورة العكسية ' فان ثمة ملاحظات جديرة بالتوقف عندها : منها ان التصفيق الجهول لما تشهده المدن التركية لا يزال علي اشده هنا في مصر ,

لكن الاهم في هذا الخطاب الاستعلائي ان صاحبه لم يسلك كما يسلك ' الثوار الجدد ' في مصر فيهيل التراب علي نهضة تركيا الاقتصادية , ولم يصرخ ' اخوان اردوغان جوعونا ' ولم يهرف باكاذيب فاخرة من تلك المنتشرة بكثافة في فضاءات السياسة المصرية , ولم يعلن رغبة مجنونة في استنزال كوارث علي بلاده.

ان الذين لا تشغلهم كثيرا التهديدات التي تواجه نهر النيل ويحشدون لحفل الانتحار الجماعي في 30 يونيو لا يمكن ان يتحدثوا عن استكمال ثورة.

ليست هناك تعليقات :