أنصار حزب الله يعتدون على تلفزيون الجديد اللبناني بسبب استضافة شيخ سني مؤيد للثورة السورية



فجأة , تقطعت أوصال العاصمة بيروت , و الدولة وقفت كعادتها , في موقف المتفرج , و قد بدأت القصة في هجوم علي مبني قناة ' الجديد ' ليل أمس , و توقيف أحد المشتبه فيهم بالاعتداء , لتنتقل إلي قطع طرقات في مناطق بشارة الخوري و فردان و البسطة و سبيرس و جسر فؤاد شهاب , مجموعات من المحتجين علي توقيف المشتبه فيه ' الذي أوقف أمام قناة الجديد بالجرم المشهود ' أحرقت إطارات سيارات و مستوعبات للنفايات , لكن من دون التعبير عن أي مطلب واضح , بعضهم قال إن قطع الطرقات يتم احتجاجا علي ما قاله إمام مسجد بلال بن رباح , الشيخ أحمد الأسير , عبر قناة الجديد , فيما لاذ معظمهم بالصمت .


في منطقة بشارة الخوري مثلا , حاول عدد من الشبان اقتحام منزل مخصص لسكن الطالبات , لكنهم منِعوا من ذلك , و في لحظة واحدة , بدت البلاد مجنونة , و القوي الأمنية وقفت تتفرج , و علي بعد عشرات الأمتار من وزارة الداخلية , أقفلت الطريق , و أطلق الرصاص في الهواء , فيما لم يكن قد مضي علي إعلان وزير الداخلية مروان شربل بدء إجراءات أمنية مشددة علي كامل الأراضي اللبنانية سوي عشرات الدقائق .

سابقة جديدة من نوعها شهدتها بيروت ليلة أمس , مع الهجوم المسلّح علي تلفزيون ' الجديد ' الذي تفرّجنا علي بعض فصوله مباشرة علي الهواء , و الحادثة تسلّط الضوء علي الهامش الضيّق المتروك للحياة المدنيّة و الديموقراطيّة في لبنان , في ظلّ تراجع السلطة أمام المجموعات المسلّحة خلال الأسابيع الأخيرة , و وسط حالة الذهول و الاستنكار , كان الجمهور يستعيد التجربة التي عاشتها المحطّة في الأيّام الأخيرة بعد مغامرتها مع الشيخ أحمد الأسير .


بكل شجاعة , و بحسّ وطني لم تحِدْ عنه يوما , وقفت ' الجديد ' مساء الأحد لتتحمّل مسؤوليّتها أمام الرأي العام , معتذرة عن الإسفاف الذي روّجت له عن غير قصد , من خلال برنامج ' الحدث ' .


 و بعد خطبته الهستيريّة المدجّجة بالمغاطات و المبالغات و التحريض السافر تلك الخطبة التي تلذّذت نشرات الأخبار باستعادتها مساء الجمعة بخفّة مدهشة , كما تُنقل صور الخوارق و الغرائب حلّ الشيخ أحمد الأسير أوّل من أمس , في ضيافة نانسي السبع التي لم تكن تقصد سوي القيام بعملها , في إطار مهني منفتح علي التعدديّة و الحوار , لكنّ السذاجة ممنوعة في مهنة الاعلام , لقد اكتشفت المحطّة اللبنانيّة , بعد فوات الأوان , أنّها سمحت لأحد دعاة الفتنة باستغلالها لبثّ سمومه المذهبيّة , في لحظة وطنيّة حسّاسة لا تنقصها عوامل التوتّر , و انتبهت متأخّرة إلي أن هذا الخطاب المقلق و المشبوه الذي اتخذ من شاشتها منبرا , يتناقض مع مشروعها , مثلما يتناقض برأينا مع قيم و مبادئ مؤسسات إعلاميّة أخري , و مرجعيّات روحيّة , و قوي اجتماعيّة , و تيّارات سياسيّة كثيرة , علي اختلاف مواقعها من حلبة الصراع الدائر في لبنان .


لم تتردّد المحطّة في الاعتذار من المشاهدين بل من الشعب اللبناني عبر بيان صريح و مشرّف , أذيع الأحد خلال نشرة الثامنة , و جاء فيه أن ' قناة ' الجديد ' التي ما عرفت يوما الخطاب الطائفي لغة لها , تعتذر من مشاهديها عن كل ما تلفظ به ضيفها الذي لم يحترم أصول الضيافة , و لم يراعِ مشاعر اللبنانيين علي مختلف انتماءاتهم و طوائفهم , و سمح للسانه أن يُهين و يشتم و يتوعد بسهر الليالي و أرق المجتمع ' … ' ' , غير أنّ فضيلة العودة عن الخطأ وحدها قد لا تكفي هنا , و لا بدّ من استرجاع تلك الواقعة بعين نقديّة , لتفكيك آليات الفخّ الذي نصبه التلفزيون لنفسه في النهاية .



محطّات كثيرة مسكونة بهوس السبق الصحافي أو باحثة عن مختلف أشكال الإثارة , كانت تتمنّي أن تغنم بالرجل الذي قفز إلي دائرة الضوء علي حين غرّة , و فُتحت له الساحات , و حامت حوله الكاميرات , و عانقه وزراء و مسؤولون , و تعامل معه الجميع كأمر واقع , قلّة انتبهت أنّها أمام قنبلة موقوتة , مبرمجة , لها وظيفة محددة علي الساحة المحليّة , قلّة تساءلت ما الذي يمثّله الرجل حقّا , من أين أتي , ما دوره , و ما حجمه الحقيقي في الحياة العامة ؟ قلّة اكترثت لكون الصورة المتشنّجة التي يعكسها إمام مسجد بلال بن رباح في مدينة صيدا الجنوبية , أقلّ ما يمكن أن يقال فيها أنّها لا تعكس فهم معظم المؤمنين لدينهم في لبنان , لقد قرّر الإعلام التعامل معه , لا كحالة هامشيّة و كعارض طارئ , بل كلاعب أساسي له ثقله و شرعيّته و حقّه في احتلال ' الهواء ' و الاستئثار بالفضاء العام .


هذا هو الخطأ القاتل , الشيخ الأسير ظاهرة إعلاميّة , لو لم يخترعه الإعلام , لبقي جالسا وسط مريديه , يخطب فيهم و يرشدهم , و هذا حقّه و حقّهم , و هذا جيّد ,  طالما أنّه يتمّ تحت سقف القوانين الوضعيّة , ليست ' الجديد ' وحدها من وقع في هذا المطبّ , فكلّنا شريك في هذه الخفّة , ليس أحمد الأسير وحده صنيع فرنكشتاين الإعلام , نذكر مثلا سوابق ال Otv مع زميله بلال دقماق , نأتي بهم , نخرجهم من هامشهم إلي موقع وطني مبالغ فيه , نعطيهم الشرعيّة , الحق في أن يفتوا و ينظّروا و يوجّهوا النصائح و الدروس , فإذا بهم يهدّدوننا برؤية ' نجوم الظهر ' , فيما ليلهم ينتشر كالطاعون و يعشّش في مدارك الناس و عقولها .

ليست هناك تعليقات :