' لقد خشيت أجيال من قادة شعبة الاستخبارات العسكرية و الموساد من هذه اللحظة , حيث يتجسد أمامنا اليوم سيناريو الرعب المطلق , الذي لعب دورا رئيسا في سيناريوهات الرعب الأشد التي دارت في الألعاب الحربية السرّية للجيش الاسرائيلي و جهاز الامن الاسرائيلي علي مدي جيل كامل , اللحظة التي تسقط فيها مصر , و ليس مجرد سقوط , بل أن تسقط في أيدي ' الاخون المسلمين ' , و قد سقطت ' هكذا وصفت احدى الصحف العبرية الحدث الجلل في مفهومها .
و أضاف ' ها هو ما لا يمكن تداركه يتجسد أمام ناظرينا , ' الجرف ' علي حد وصف شمعون بيريز لحسني مبارك , سقط في البحر , و الطوفان الإسلامي يحتل مكانه , و كل هذا يحصل في الدولة العربية الأكبر , الشريك الأساس للسلام الاستراتيجي مع اسرائيل , نقطة الارتكاز الإقليمية , الجهة الوازنة في المنطقة , و هذا قد انتهي , في طبيعة مثل هذه اللحظات التاريخية التأسيسية أن تذوب لتصبح بقعة من الواقع البشع , و بالفعل , بعد غدٍ أيضا ستشرق الشمس علي ما يبدو , لا شيء خاصا سيحصل , عاموس جلعاد سيبقي يطير الي مصر سرّا و يجلس أمام الاصدقاء من الاستخبارات في القاهرة , السماء لن تسقط علي أي أحد , كما لن تندلع هنا قريبا حرب ' مع مصر ' , لا داعي إلي الفزع و لا ينبغي انعاش الاحتياطات الوقائية , فالأيام التي كان بوسع الاتحاد السوفياتي فيها أن يوقف جيشا عربيا مسلحا من أخمص القدم حتي الرأس , بالمجّانٍ و بلا مال , قد انقضت و لم تعد قائمة , اليوم حتي الولايات المتحدة لم تعد قادرة علي عمل هذا ' .
و أكملت كمن يغني في الليل لحظة اقترابه من المقبرة ليخفي خوفه على نفسه ' محمد مرسي سينهض كل صباح , و عليه أن يطعم 87 مليون مصري , و أن يمول بدل بطالة لملايين العاطلين من العمل , و سينظر يمينا و يسارا , غربا , جنوبا و شرقا , ليكتشف أن الحدود الهادئة ' نسبيا ' الوحيدة له هي الحدود مع اسرائيل , و سيفهم بأنه بين السودانيين و الليبيين و بدو سيناء , يمكنه فقط أن يعتمد علي الاسرائيليين , سيسافر الي واشنطن , نعم , في النهاية سيسافر الي واشنطن , و سيتعلم هناك نظرية الأرقام ' .
و تضيف ' المجلس العسكري و رغم أنه خدل العالم , فقد تدارك الموقف و أخذ منه الصلاحيات في مواضيع الخارجية و الأمن و أبقي له الإجراءات اليومية , التعليم , الصحة , رغيف الخبز و الفول الذي يجب أن يوضع علي الطاولة , و من السابق لأوانه الدخول في مرارة سوداء , و في هذه الوتيرة , هذه أيضا ستأتي في لحظة ما ' .
و مع ذلك , الحياة ستكون أصعب ' رصاص مسكوب ؟ ' , هذا لن يكون سهلا , حرب لبنان الثالثة ؟ كما أسلفنا , محظور النسيان أنه في حرب لبنان الثانية استجدي مبارك أولمرت كي يسحق حزب الله , و في كل ما يتعلق ب ' حماس ' , رقص المصريون في كل مرة قطعنا هناك رؤوسا , و الآن , بدلا من قوة عظمي تمقت ' حماس ' , تجلس علي حدودنا الجنوبية دولة شقيقة ل ' حماس ' , ' الإخوان المسلمون ' يرون في ' حماس ' زملاء , و انطلاقا من ذلك , يتأكّد تفويت الفرصة التاريخية للرصاص المسكوب , سوف نذرف الكثير من الدموع علي هذا التفويت , انتهى المقال الصحفي .
و قد طغي الحدث المصري علي الشارع الإسرائيلي بإعلامه و سياسييه , و يختصر التقويم الإسرائيلي , غير المعلن , لما حصل في الانتخابات المصرية , بما أفردت له صحيفة ' معاريف ' صفحتها الأولي , و هو ' شرق أوسط جديد ' .
علي أبواب التغيير الجذري , الذي أجمعت المواقف الإسرائيلية غير الرسمية علي بداية تشكله عبر فوز ' الإخوان ' بحكم بلاد النيل , اتخذ الموقف الإسرائيلي الرسمي جانب الحذر من خلال التزام الصمت و الاقتصار علي بيان ' مجاملة ' كما وصفته الصحافة الإسرائيلية صدر عن مكتب رئيس الوزارء , بنيامين نتنياهو , أعرب فيه عن تقدير العملية الديموقراطية في مصر , و احترام نتائجها , و كما في كل المواقف الإسرائيلية تجاه أحداث مصر منذ اندلاع الثورة فيها , لم تغب معزوفة التشديد علي أهمية اتفاقية ' كامب دافيد ' عن تصريحات نتنياهو , الذي قال أمس إنه يتطلع إلي العمل ' مع الإدارة الجديدة ' في مصر ' علي أساس معاهدة السلام بيننا ' , التي وصفها بأنها ' ركيزة الاستقرار في المنطقة و مصلحة حيوية للبلدين ' , إلا أنّ تصريح نتنياهو ' البسيط ظاهريا ' يخفي , بحسب القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي , الارتباك و التقديرات المختلفة في الإدارة الإسرائيلية بخصوص مستقبل العلاقات بين تل أبيب و القاهرة , كذلك فإنه يخفي , وفقا لصحيفة معاريف , ' مخاوف كبيرة لدي المؤسستين العسكرية و السياسية من أن يؤدي انتخاب مرسي , برغم قوله إنه سيحافظ علي الاتفاقات الدولية لمصر , إلي انعكاسات سلبية , و خاصة علي المدي البعيد ' , و إذ أشارت إلي أن أهمية العلاقات مع مصر بالنسبة إلي إسرائيل تفوق أهمية العلاقات مع كل العالم العربي , كشفت الصحيفة أنّ المؤسسة الأمنية بدأت قبل عدة أشهر بالاستعداد لوضع مختلف علي الجبهة المصرية ' مع الاحتراس من الإضرار بالعلاقات الحساسة بين الدولتين و تفادي التصاريح التي يمكن أن تفسر بنحو معقد ' , و نقلت معاريف عن مصادر أمنية قولها , في حلقات مغلقة , إنه ' إذا غيّرت مصر مقاربتها , فإن إسرائيل ستقع في مشكلة أمنية أصعب من تلك التي تعانيها مع حزب الله و المنظمات الإرهابية في غزة مجتمعة , و معني ذلك هو رصد موازنات ضخمة , لأنه منذ حرب يوم الغفران لم يكن لإسرائيل أي استعداد في هذه المنطقة ' الحدود مع مصر ' .
و نقلت صحيفة ' إسرائيل اليوم ' عن مصادر أمنية قولها إن علي إسرائيل , في ضوء فوز مرسي , أن تستعد لاحتمال طلب مصر فتح اتفاقية السلام , و خصوصا لجهة المطالبة بإعادة الانتشار في شبه جزيرة سيناء , التي تنص الاتفاقية علي إبقائها منطقة منزوعة السلاح , و فيما حذرت المصادر من أن ' تنتقل الاتفاقية من مرحلة البرودة إلي التجميد ' , قالت مصادر أخري لموقع ' والا ' الإخباري إن إسرائيل ' كانت تأمل أن لا يتولّي الإخوان المسلمون السلطة في مصر و أن تبقي اتفاقيّة السلام مُستقرّة , لكن بعد أن خابت الآمال أصبحت الخشيّة في إسرائيل و في الغرب قوية ' .
و أضافت المصادر أن ' إسرائيل لم تعتقد أنّ رئيسا إسلاميّا مُتطرّفا سيترأس مصر , لذا , فإنّ استيعاب الوضع من الناحيّة السياسيّة , كما من الناحيتين الاستخبارية و العملانيّة , سيتطلّب وقتا , السلام مع مصر ذخرٌ استراتيجيّ , و علي المدي الزمنيّ البعيد سيمرّ بامتحانات غير سهلة ' .
و أوضحت المصادر أن هناك قضيتين تقلقان إسرائيل علي المدي المنظور في العلاقة مع مصر الإخوان المسلمين , هما : إلي أي مدي سيسمح الإخوان للجيش بمواصلة التنسيق مع إسرائيل , و كيف ستتجسد علاقتهم الجيدة بحركة حماس و حكومتها في قطاع غزة ؟
لكن بالرغم من كل شيء , من الواضح أن تل أبيب تراهن بقوة علي الجيش المصري , و دوره في ضبط إيقاع السياسة المصرية الإقليمية في عهد مرسي , و خصوصا في ما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل , فالجيش , وفقا لمصدر إسرائيلي رفيع , ' لم يقل كلمته الأخيرة بعد , و هو قادر علي كبح خطوات مرسي , و كل شيء مرتبط بالمدي الذي سيحاول فيه إجراء التغيير ' .
و انعكست حالة القلق الإسرائيلية في تعليقات الصحافة الإسرائيلية , حيث احتل الحدث المصري الصفحات الأولي و مساحات كبيرة خصصت للتغطية و التحليل في ضوء ' السيناريوات المظلمة ' المتوقعة .
و أشارت صحيفة ' يديعوت أحرونوت ' إلي أن تولي مرسي رئاسة الجمهورية المصرية ' يفتح الباب علي أكثر من احتمال , إلا أن المستقبل محفوف بالضبابية و عدم اليقين ' , و طالبت تل أبيب بأن تكون جاهزة لمواجهة أي سيناريو محتمل ' .
و أعربت الصحيفة عن خشيتها من أن تتحول مصر إلي ' شيء آخر ' , مشيرة إلي أن المجلس العسكري خرق كل الاتفاقات , و من بينها اتفاق الغاز الحيوي , بينما تسمّرت إسرائيل في مكانها و لم تردّ من شدة الخوف , بل أكثر من ذلك , سمح النظام بالاعتداء علي السفارة الإسرائيلية في القاهرة , و أوقف إصدار التأشيرات , و قلص عدد الرحلات الجوية البينية , و ' من الطبيعي أن لا يكون للإخوان المسلمين مشكلة في مواصلة هذه المسيرة ' .
مع ذلك , أكدت الصحيفة أن ' مصر لن تتحول في صباح الغد إلي دولة عدوة تهدد حدود إسرائيل , إلا أنّ من واجب المنظومة الاستخبارية و العسكرية الإسرائيلية أن تتعاطي مع الصديقة القديمة كدولة ينبغي دراستها من جديد , و الاستعداد بما يتناسب مع ذلك ' , و رأت صحيفة ' معاريف ' , أن الرئيس المصري الجديد , يواجه تحديات صعبة و فورية , إذ عليه أن يخفف مستوي التوتر مع المؤسسة العسكرية , و يخلق صيغة تعايش جديدة بين الجيش و الرئاسة , و عليه كذلك خوض معركة صلاحيات رئيس الجمهورية الثانية لمصر , التي من شأنها أن تكون معركة كبيرة جدا , أما التحدي الأكبر , فهو تحديد الصورة التي ستكون عليها مصر في عصر ما بعد مبارك , علما بأنّ إسرائيل و الولايات المتحدة تأملان أن تتبني مصر بقيادة الإخوان المسلمين , النموذج التركي .
أما صحيفة ' هآرتس ' , فأملت أن يفي الرئيس المصري الجديد بوعوده , و أن يكون ' رئيسا للجميع ' , و أن يمتنع عن تحويل مصر إلي دولة إسلامية , مشيرة إلي أنّ الرئيس الجديد سيكون معنيا , بنحو أساسي , بأن يجد السبيل لمنع الإفلاس الاقتصادي لمصر , و التأكد من أن الدولة ستواصل تلقي القروض الكبيرة من الولايات المتحدة و من الأسرة الدولية , و لهذا الغرض سيضطر إلي ' ابتلاع الضفدع ' الذي يسمي ' اتفاق السلام مع إسرائيل ' .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق