أخيرا فهم الشعب السوري لماذا يسكت بشار الأسد كثيرا لأن سكوته أفضل بكثير من كلامه , فسكوته فعلا من ذهب , فالرجل سكت دهرا و نطق كفرا , فبدأ بالقول أن ما يحصل هو مؤامرة و بنا كل خطابه على هذا الاتهام الذي لم يجد للتدليل عليه غير بضع هواتف متطورة ضبطت مع المتظاهرين , لم يتحدث عن الأسلحة أو القنابل أو العبوات الناسفة التي تظهر على شاشة التلفزيون السوري , بل أن جل ما أرق الرجل كاميرا هاتف محمول تصور قمع جيشه للشعب و تحمل الفيديو على اليوتيوب و هذا ما يرعبه , فمعرفة الحقيقة أمر خطير بنظر الأسد الابن .
و في خطاب إنشائي لطفل في العاشرة, و ليس خطاب رئيس دولة كبرى مهمة كسوريا, لم يقدم بشار الأسد جديدا, فبروح من التعالي دخل القاعة و لوح للحضور فصاحوا ' بالروح بالدم نفديك يا بشار ‘, كاشفين هويتهم و هوية من أتى بهم لهذه القاعة.
و بدأ الخطاب محاولا تقسيم الشعب عن طريق الحديث عن قلة مندسة , و هو خطاب القلة المندسة الذي تحدث عنه مبارك و بن علي و علي عبد الله صالح , و الذي لم يبقى رئيس عربي قامت ضد حكمه ثورة عربية إلا و استعمله , و استمر في الحديث موضحا الخطوات التي اتخذها دون أي تنازلات حقيقية تؤدي لقيام ديمقراطية في سوريا , بل إن جل ما تحدث عنه هو وعود بإجراءات دون أي ضمانات لما يمكن أن تحمله هذه الإجراءات المبهمة و الضبابية من جديد على صعيد ما وعد به من تقدم ديمقراطي , حتى أن الأسد وصف خطوة تخفيض صفيحة البنزين بالخطوة الأهم , و قال من دون أن يخجل أن أغلب مطالب من التقاهم كان هذا الأمر , و لم يدرك بسذاجته البادية على ملامحه أن المشكلة تكمن في هوية من التقاهم و من أتى بهم اليه.
شكلا لم يخلوا الخطاب من نفسية التعالي على الشعب , و أوضح أيضا أن بشار الأسد لا يسيطر بشكل كامل على الوضع السوري و أن أخوه ماهر الأسد , و هو القائد الفعلي للجيش , سيطر على القيادة الرئاسية أيضا و أصبح يحرك كل الأمور حتى السياسية و و الاقتصادية , و يبدوا أيضا أن نظرية الصراع بين بشار و ماهر قد حسمت لصالح الأخير فكل الدلائل و آخرها كلام الأسد اليوم تشي بالأمر.
خطاب بشار الأول أحبط الشعب السوري فماذا يفعل خطابه الثاني هل يؤجج جمعة الخلاص التي دعت لها المعارضة أم يطفأ الحريق و يقنع هذه المعارضة بالحوار مع النظام , و ماذا سيكون الموقف الغربي من خطاب الأسد , الأوروبيون قالوا قبل الخطاب أنه سيؤثر على قراراتهم في كلام فهم منه تشجيع للأسد للقيام بخطوات إصلاحية جدية , و يبدوا أن الجواب على السؤال لا يحتاج الكثير من التفكير فالرئيس ماهر الأسد لم يعط أخاه بشار شيئا يذكر لقوله للشعب , و جعله يخرج أمام الشعب خاوي الوفاض مظهرا الحاكم الفعلي لسوريا و معطيا حجة اضافية للمعارضين للاستمرار في ثورتهم حتى الاطاحة بالنظام.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق