صفقة بين الملك و حزب العدالة و التنمية أدت لفوز الأخير في الانتخابات البرلمانية

هناك عدة معطيات أفرزتها الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم أمس الجمعة 25 نونبر و أسفرت عن فوز حزب العدالة و التنمية بأغلبية تتعدى مائة مقعد برلماني أي أزيد من ربع المجلس المكون من 395 عضوا , و تشي هذه المعطيات بأن هناك حلقة ناقصة لاستكمال المشهد الذي أريد له أن يعطي انطباعا بأن المغرب تغير بعد الدستور الجديد , و الذي خطط للعملية وجد أن الدليل القاطع على تحول المغرب بفعل الدستور الجديد إلى ديمقراطية حقيقية هو فوز حزب إسلامي معارض في بلد يحكمه ملك يكره الإسلاميين و ابن ملك قاتل التيار الإسلامي و عاش حياته كلها يطاردهم و يجز بهم في السجون , و لحدوث كل هذا فبالتأكيد الملك لن يسلم ' رقبته ' و الأغلبية البرلمانية لحزب العدالة و التنمية بدون صفقة تضمن لكل طرف أهدافه و تضع حدودا لحركة الحزب الذي أسس سنة 1996 من رحم وزارة الداخلية للالتفاف على جماعة العدل و الإحسان .

و لكي نفهم الخطوة و أبعاد الصفقة هناك ثلاث نقاط أساسية في المشهد السياسي يجب فهمها :

أولا ... الاقتراب الذي عرفته علاقة حزب العدالة و التنمية بالمؤسسة الملكية و الذي كان من تمراته رفع الملك الغطاء على حزب الأصالة و المعاصرة و سحب صديقه الذي كان يترأس الحزب بشكل غير مباشر و الذي كان قد أسس في الأساس ليفوز بانتخابات 2012 و التي أجريت قبل موعدها بالأمس , و وفق ما ترويه مصادر مطلعة فان حزب العدالة و التنمية زاد هامش حركته خلال الثلاثة الشهور الماضية بشكل أدخل الريبة حتى في صفوف أبناء الحزب الذين لم يتعودوا كل هذا ' الحنان ' من المخزن , و لكن الحزب مع ذلك ظل يحذر من تزوير الانتخابات لصالح أطراف منافسة حتى يكتمل المشهد و يصدقه الشعب المغربي الذي لا يعرف ما يجري من تحت الطاولة و داخل الأبواب المغلقة في العاصمة المغربية الرباط .   

ثانيا ... الملك المغربي أراد أن يعطي للدستور معنى لم يحمله فعليا , فعلى سبيل المثال لو فاز حزب الاستقلال و أحزاب التكتل فان المغاربة سيقولون أن الدستور لم يحدث تغيير و أن وزارة الداخلية طبخت النتائج , أما في حال فاز حزب الأصالة و المعاصرة فان المغاربة سيعرفون أن الملك قام بإنجاح حزبه ليستطيع تسمية من يشاء لرئاسة الحكومة , أما الخطة التي قضت بمنح حزب العدالة و التنمية أغلبية غير مسبوقة في البرلمان فبدون شك ستنطلي على الشعب المغربي الذي سيظن بالفعل أن المغرب تغير و أن السبب هو الملك و دستور البلاد الجديد .

ثالثا ... هو مؤشر واضح لوجود ترتيب معين بين الحزب و السلطة و هو نسبة التصويت و التي لم تتجاوز في أحسن الأحوال نسبة 20  في المائة بينما أعلنت الداخلية المغربية أنها فاقت 45 في المائة , و هو أمر مستحيل بالنظر إلى أن حجم العزوف عن التصويت الذي كان غير مسبوق , الأمر مع ذلك ليس في النسبة لكن في سكوت حزب العدالة و التنمية عن ' نفخ ' النسبة إلى أزيد من الضعف , و هذا السكوت لا يمكن إلا أن يفهم في إطار الصفقة التي أكيد أنها تمت بين الملك و الحزب .

الحقيقة في كل هذا تؤكد بما لا يقبل مجالا للشك أن الصفقة قد تمت بين شخصية براغماتية كعبد الاله بنكيران و ملك يسعى للنجاة من ربيع عربي يقطع الرؤوس الكبيرة , و لا شك أن الصفقة تضمن أشياء عديدة للملك فلن يجد من يقول بعد اليوم أن الديمقراطية في المغرب غير حقيقية و من قال سيجد الجواب واضحا , انتخابات مغربية في ظل حكومة استقلالية و بتسيير وزير داخلية معين من الملك أنتجت أغلبية لحزب معارض , أما أهم أهداف الصفقة فكان عدم إظهار عيوب الدستور الحالي , هذه العيوب لن تظهر أبدا لأنها ستعني لحظة الحقيقة و الصدام الحقيقي مع الإرادة الشعبية , و الملك لن يسمح بكل تأييد أن يصل إلى الحكم من يصطدم معه , هنيئا لحزب العدالة و التنمية صفقته الرابحة .