بعد نعم كيف سيدير مرسي البلاد ؟


معتز بالله عبد الفتاح ... قال تعالي في قوم سبا : ' وَظَلَمُوا اَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ اَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ اِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ' . وهو نفس المعني في الآية الكريمة : ' وما ظلمناهم , ولكن كانوا انفسهم يظلمون ' .

القضية الآن لم تعد ' نعم ' او ' لا ' , القضية الآن هي كيف سيدير الدكتور محمد مرسي البلد بعد كل هذا الانقسام الذي ساهم في احداثه؟

من شهور طويلة و الانسان يقول : المصريون امامهم طريقان كبيران رئيسيان . اما ان نلعبها ' اوروبا ' , او ان نلعبها ' امريكا ' . وارجو التمهل معي قليلا في توضيح الامر. مارجريت تاتشر لها مقولة ذات دلالة مهمة في مقامنا هذا : التاريخ صنع اوروبا , و الفلسفة صنعت الولايات المتحدة.

مضمون العبارة يقول ان اوروبا انتهت الي ما انتهت اليه بسبب كم مهول من الصراعات و الحروب و الخلافات التي بدا معها كل طرف وكل دولة وكل ملك وكل كنيسة تسعي الي تحقيق مصلحتها فقط الي ان وصلوا الي وضع وجدوا فيه انهم في حالة من الانتحار الجماعي بسبب الصراع علي الارض و الموارد و القوة. حروب تستمر سنوات طوالا وتنتهي بقتل وتشريد وجرح الملايين من اجل ماذا؟ من اجل الحدود السياسية التي تقسم الارض و الموارد. اذن الحل : الغاء الحدود سيضمن تقاسم الارض و الموارد. نفس الكلام يقال بشان الدور السلبي للكنيسة في اوروبا في تبرير الاستبداد واندلاع الحروب.

اما بشان الولايات المتحدة الامريكية , فقد كانت الصراعات فيها اقل ' رغما عن وجود جانب منها ' ذلك ان من حكموها جمعوا بين الفلسفة ' اي حب الحكمة ' و القوة , في نمط اقرب الي ما حلم به افلاطون حين بشّر بفكرة ' الملك الفيلسوف ' , اي ذلك الشخص الذي يجمع بين القوة و الحكمة. اجتمع هؤلاء الآباء المؤسسون المنتخبون الخمسة و الخمسون في فيلادلفيا سنة 1787 ليضعوا الدستور الذي لم يزل قائما حتي الآن مع تعديلاته السبعة و العشرين. وقد ابتكروا الكثير من الافكار وضمنوها في دستورهم مثل فكرة الفيدرالية وفكرة المجمع الانتخابي وغيرهما.

مقولة مارجريت تاتشر مفيدة لنا فهي تقول لمن هم في مثل حالتنا ان علينا ان نختار اما طريق اوروبا ' بصراعاته وخبطه وتخبيطه ' الي ان نتعلم كيف نعيش سويا باحترام للآخرين وبحقهم في ان يكونوا شركاء بحقوق متساوية , او طريقة امريكا بدرجة اعلي من الاجتماع و النقاش و التحوط لما قد ياتي به المستقبل من مشاكل وصراعات وايجاد حلول ومشاكل لها بعدم تغليب الصالح الخاص علي العام , وما هو حال علي ما هو طويل الامد. لا شك ان لامريكا نصيبها من العنف و الصراع , وغير أنه قطعا اقل كثيرا مما كان متوقعا.

الرسالة الاساسية لهذا المقال هی ان اهل الراي و الفكر و السياسة في مصر عليهم ان يكونوا من الوعي بان الصراع و التطاحن و الشطط الذي يسيطر علينا سيجعلنا نتحاكم الي مزيد من العنف اللفظي المفضي الي العنف المادي و الدماء , وهو الطريق الذي اختارته اوروبا , وعاشت فيه لسنوات.

اذن المطلوب الكثير من الحوار و الاستعانة باهل العلم و الخبرة و الفلسفة و التفكير العقلاني المتوازن , وعدم الاستجابة لاهل الشطط و المبالغة و التصعيد و الاقصاء. لا تمجيد لاحد او انتقاص من اهلية احد , وانما لا بد ان نتعلم من تجارب الآخرين.

والمسئولية تقع في المقام الاول علي مؤسسة الرئاسة ومن يساندون الرئيس. و الوصول الي السلطة لا يعني تشويه مؤسسات الدولة ' اجهزة الامن القومي , الجيش , القضاء ' او تشويه مؤسسات المجتمع ' الكنيسة , الصحافة , الاعلام ' . بل ان المنطقي ان تتبني الرئاسة منطق المصالحة الوطنية الشاملة ' ولنشاهد عددا من الوثائقيات ولنقرا عددا من الكتب عن تجربة جنوب افريقيا ورواندا و المجر ' وان تستعين بهذه المؤسسات. والا سيكون البديل ان ينشئ كل فصيل سياسي جهازه للامن القومي واتصالاته وميليشياته , كما يفعل حزب الله في لبنان. وهذا ليس من مصلحة مصر.

علي مؤسسة الرئاسة ان تعلم انها لن تحكم مصر بفعالية وبديمقراطية الا بان تتحول من تنظيم الي نظام حاكم وفقا للقواعد المؤسسية المستقرة. والا فالخطر قادم علي الدولة وعلي المجتمع .

ليست هناك تعليقات :