هل تتحول معارضة الاسقاط و الهدم الى البناء ؟


سيف الدين عبد الفتاح ... كتبت فيما سبق عن ضرورة ان تكون هناك معارضة موزونة ومتزنة ووازنة‏,‏ وقلت في صدر هذه المقالة‏,‏ ان قراءة قوانين التعدد و الاستهام و الاختلاف‏,‏

تؤكد ان مصلحة الوطن ان تكون هناك سلطة تتمتع بالشرعية و الهيبة ولكن هذه المصلحة لا تتحقق الا في ظل وجود معارضة موازنة ومتوازنة ووازنة, معارضة قوية قادرة علي القيام باستكمال ميزان الحياة السياسية و المجتمعية, بكفتيه : سلطة فاعلة عادلة, ومعارضة ناقدة ومسددة, اعتدال كفتي الميزان هو الذي لا يسمح باختطاف من سلطة مهيمنة متغولة للوطن, او اختطاف من معارضة هزيلة لمصالح الوطن العامة وادعاء تمثيلها تعمل في فضاء الاعلام اكثر مما تعمل علي واقع الارض ومع الناس, وقلت في خاتمتها, ان الامل معقود علي صعود معارضة حقيقية موازنة, تمارس وظائفها بقوة وفاعلية,وان المعارضة الوازنة طاقة محتملة لمعارضة متوازنة وموازنة لا تنفرد فيه سلطة بهيمنة او اغراء بها, ولا تنكص فيه المعارضة عن القيام بادوارها وفعاليتها.

وتاسيس المعارضة جزء لا يتجزا من عمليات التحول الديمقراطي, من هنا يمثل نموذج المعارضة السياسية وطرائق ممارستها اهم الادوار في صياغة رشيدة لعملية الانتقال الديمقراطي لا تهدر فيها الطاقات ولا الاستثمار السياسي لهذه المرحلة بما تقدمه المعارضة من حالة مسئولة وملتزمة بقضايا الوطن الكبري ومصالح الامة العامة,ان شراكة الجميع سلطة ومعارضة في مسارات وعمليات التحول الديمقراطي امر يمكن من انجاز عملية التحول بالكثافة المطلوبة و السرعة الواجبة و الالتزام بالمسئولية السياسية اللازمة.

الحالة المصرية في هذا المقام تمثل نموذجا مهما, لو اردنا بكامل الارادة و الادارة السياسية ان ننجز خبرة تحتذي ويقتدي بها مسارات ومقاصد, الا ان اخطر المعوقات في هذا المسار ان تتصدر عمليات السجال السياسي في المشهد السياسي, خاصة في حالة الاستقطاب حينما يكون تحت عناوين مختلفة بين الديني و المدني وترويج الهواجس في التعامل السياسي وتآكل رصيد الثقة بين القوي السياسية المختلفة. من المهم بمكان ان نؤكد ان مسارات التحول الديمقراطي وعملياته مثلت للاسف الشديد حالة من الاستقطاب, وظلت موضوعات هذا التحول مجالا للتنازع و الخطاب السجالي من مثل : الدستور, الاستفتاء, الجمعية التاسيسية, الانتخابات, المؤسسات بين البناء و الحل, العلاقة بالمؤسسة العسكرية, التظاهرات و الاحتجاجات وتقاطعها مع الانتخابات, الاعلانات الدستورية, الاستفتاء علي مسودة الدستور, كل هذه الامور شكلت مجالا للتنازع السياسي مما ادي الي تآكل رصيد الثقة المتبادل بين القوي السياسية المختلفة وهو ما اثر بالسلب علي عمليات التحول الديمقراطي و التشكيك في بعض متحصلاتها ونتائجها, وكان من جملة هذا الاختلاف حينما تعرض هؤلاء لمسارات التحول الديمقراطي واولوياته.

وانتقل الخلاف الي حالة حشدية من اطراف الاستقطاب لتشكل حالة ضاغطة, وصار التنابذ بالحشود في مجال الفعل ورد الفعل, الخروج من الحالة الحشدية المرشحة في حال الاستقطاب الي تحولها الي ظاهرة جماهيرية تستعصي علي الضبط وتؤدي الي وقوع ضحايا وشهداء ومصابين.

ان مانقصده من معارضة الاسقاط ان تحمل شعاراتها وبياناتها معاني الاسقاط و الهدم و الرفض لا معاني التنافس السياسي و التفاوض المجتمعي, فتنادي بوقف كل شيء, واسقاط كل مؤسسة, وتفرض شروطا تعجيزية ترفع فيها سقوف المطالب تصل في منتهاها الي اسقاط الرئيس حتي لو كان ذلك شعارات للمتظاهرين و المعارضين, وخطورة ذلك في رايي الذي قد يكون خطا ان السير في هذا المسار هو عين الفوضي وعدم القدرة علي الانتقال الي مرحلة البناء اي بناء, واقولها صادقا ولست مهوشا انه لن يعيش في مصر او لها رئيس, لاننا نكون قد وصلنا الي عقلية كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا. وكذلك فان مانقصده من اسقاط المعارضة, ان يتصرف من هم في السلطة ويستسهلون تخوين المعارضة عند الاختلاف في الرؤي, و التصرف في السياسات و القرارات وكان المعارضة لا قيمة لها بمنطق اعلي مافي خيلكم اركبوه, او ان كنت معارضا, فاضرب دماغك في اقرب حائط, او تحدث بما شئت وطالب بما ترغب ولكننا في النهاية سنفعل مانريد, ان التصرف بهذه العقلية باسقاط المعارضة من حسابات السلطة امر خطير لايعبر عن صياغة لتعاقد سياسي جديد يواكب الثورة في مطالبها في الحرية و الحكم الرشيد, بل هو امر يحاكي النظام السابق في عدم الاكتراث بحركة المعارضة ومطالبها, اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم.

ان اهمية الحوار الوطني كواحدة من الآليات السياسية المهمة بين تنوعات القوي السياسية و المجتمعية لهو من الامور التي يمكن ان تمكن لادارة سياسية راشدة, وهو يشكل واحدا من اهم الادوات لادارة التعددية وادارة الحوار خاصة حينما يشكل هذا الحوار آلية في بناء توافق سياسي واجتماعي جديد يتوافق مع الثورة ومكتسباتها واستكمال مسيرتها واهدافها وان عملية القصور و التقصير في بناء آلية للحوار المستدام كان من الامور الخطيرة التي جعلت مساحات الاستقطاب و الاستبعاد و الاقصاء تمتد وتتمدد, ومن الامور المقررة في هذا المقام انه ليس من معاني الحوار ان نؤزم المواقف ونتخذ القرارات, ثم نتنادي للحوار خروجا من المآزق و الازمات, لان القاعدة الذهبية تقتضي بضرورات الحوار قبل القرار, وليس بعده او لحل معضلاته لان ذلك اهدارا للطاقة ورفعا لتكلفة القرار الي اقصي حد ومن غير حد.

صحيح ان العلاقة بين السلطة و المعارضة مازالت في بداية تدرجها تحت وطاة التجفيف السياسي وتجريف كل الانشطة السياسية الحقيقية, لكن لابد علي من يريد احتراف المعارضة وامتلاك السلطة القائمة ان يسرعابالتاقلم و التمكن من ادوات العمل و تمكين طرق الممارسة بالنزول لطبقات الشعب, حاملا الهموم وبانيا برامج عمله حتي يكون حاضرا في حسابات الشعوب و رقما صعبا في ورقة الانتخاب, فحيثما تكون السلطة تكون المعارضة, وكما لا يطالب احد من السلطة ان تتخلي عن وجودها, فلا احد يملك ان يطالب المعارضة بالتخلي عن وظيفتها, او القيام بادوارها, السلطة و المعارضة ركنان اساسيان لاستقرار المجتمع وتطوره, ومن غير المتصور ان يكون هناك في عالم اليوم سلطة بلا معارضة.

اردت من هذا البيان ان نتحرك صوب علاقات سوية بين السلطة و المعارضة, تصاغ هذه العلاقات ليست في الدساتير المكتوبة, ولا بالقوانين المشروعة, وانما تصاغ من رحم ثورة جمعت بين هؤلاء وهؤلاء في الميدان, وجمع بينهما وطن وكيان, ومثل هذا وذاك كفتا ميزان, وصياغة مجتمع الامان.



ليست هناك تعليقات :