
في اجواء الحيرة و البلبلة المخيمة علي مصر يتراجع اليقين , وتتكاثر الاسئلة بقدر تكاثر الغيوم التي تتجمع في الافق. اذ لا يكاد المرء يتعلق ببارقة امل تلوح في الفضاء , حتي يفاجا بما يعصف بذلك الامل. ويستبدله بقائمة اخري من الاسئلة تضيف صفحات جديدة الي كتاب الحيرة.
ذلك ما حدث معي يوم الاربعاء الماضي 5/12 , حين وقعت في الصباح علي بعض مؤشرات الانفراج , فكتبت ما كتبت محتفيا بما اعتبرته : ضوءا في النفق. الا ان الاحداث تسارعت بعد الظهر وطوال الليل حين اشتبك المؤيدون و المعارضون حول مقر رئاسة الجمهورية ' قصر الاتحادية ' وسقط سبعة من القتلي ومئات الجرحي , الامر الذي اطفا جذوة الامل التي تعلقت بها في الصباح , واعاد النفق الي ظلمته , وهو ما وضعني في موقف لا يحسد احد عليه. ذلك ان البشارة التي حملتها الي قارئي وظهرت صباح الخميس تبدد اثرها وكذبتها شاشات التليفزيون وهي تعرض آخر الاخبار , حتي بدا وكانني فيما كتبت كنت اتحدث عن بلد آخر غير مصر.
حين تجمعت امامي مجموعة من الاسئلة التي لم اجد لها جوابا عقب احداث الاربعاء و التطورات التي اعقبتها يوم الخميس , فانني لم اجد مفرا من تسجيلها , معترفا بانني مثل كثيرين صرت اقف في طابور الحائرين. وهم الذين التبست عليهم امور كثيرة ولم يجدوا تفسيرا لامور اخري , كما انهم باتوا عاجزين عن تصديق الروايات المتداولة بخصوص بعض الوقائع التي يسمع عنها او يقراها.
من اسئلة ما جري يوم الاربعاء ما يلي :
_ لماذا وكيف دعا الاخوان اعضاء الجماعة الي التوجه نحو قصر الاتحادية , مع علمهم بان المعارضين معتصمون هناك؟ وهل يعقل ان يكون قد غاب عن اذهانهم ان هذا القرار الانفعالي سيؤدي الي الاشتباك بين الطرفين؟ واذا كان الاخوان و السلفيون قد قرروا عدم التظاهر في ميدان التحرير يوم السبت ' الاول من ديسمبر ' تجنبا للاشتباك مع المعارضين المعتصمين فيه , فلماذا غابت تلك الحكمة في تظاهرة الاتحادية؟
_ بعد الذي جري هناك اليس من حقنا ان نتشكك في كفاءة ورشد الذين اتخذوا ذلك القرار؟ واليس من الواجب ان يحاسب هؤلاء سياسيا وتنظيميا علي الاقل علي الدماء التي اريقت جراء سوء تقديرهم وقصر نظرهم؟ وهل يعد القتلي في هذه الحالة من شهداء الثورة؟
_ هل صحيح ان الاخوان قاموا بتعذيب واستنطاق الاشخاص الذين اشتبهوا فيهم والقوا القبض عليهم كما قال بعضهم علي شاشات التليفزيون؟ وهل لجا المعارضون الي الاسلوب ذاته؟
_ ما هي هوية المسلحين الذين ظهروا في اوساط المتظاهرين؟ ومن اين حصلوا علي الاسلحة؟ وهل صحيح ان التحقيق مع بعض المقبوض عليهم كشف عن مفاجآت في هذا الصدد من شانها ان تسبب حرجا لبعض الاطراف من خارج القوي السياسية؟
_ لماذا اختفي رجال الشرطة من المشهد , سواء فيما جري حول قصر الاتحادية , او ما جري في بعض المحافظات الساحلية بالوجه البحري؟ وهل هذا الغياب ناتج عن قصور في امكانيات اجهزة الشرطة ام ان له تفسيرا آخر يعبر عن موقف لبعض القيادات الامنية؟
_ ما مدي صحة ما يتردد عن التفكير في العودة الي الاستعانة بالشرطة العسكرية و الجيش في ضبط الامن , لتعويض القصور في اداء اجهزة الشرطة؟
من اسئلة ما جري يوم الخميس الذي خاطب فيه الرئيس مرسي الشعب المصري لاول مرة منذ اصدار الاعلان الدستوري في 28/11 ' قبل تسعة ايام ' ما يلي :
_ حين اعلن الرئيس عن عدم تمسكه بالمادة السادسة من الاعلان الدستوري , التي تخوله سلطة اقرب الي اعلان الطوارئ و الاحكام العرفية , وحين اعاد القول بانه اراد تحصين قراراته السيادية فقط , فهل يعني ذلك انه بات مستعدا لان يفتح باب التراجع عن بعض القرارات الاخري التي اصدرها؟
_ حين وجه الدعوة لمختلف القوي الوطنية للاجتماع معه ظهر اليوم , فهل الهدف من الاجتماع مناقشة كل الملفات المهمة العالقة , بما في ذلك مشروع الدستور وموعد الاستفتاء عليه , ام انه اراد فقط ان يناقش خطوات ما بعد اعلان نتائج الاستفتاء سواء كانت بنعم او لا؟ واذا تمسك الرئيس بالخيار الثاني , فما جدوي الاجتماع اذن؟
_ لماذا ركز الرئيس في خطابه علي الذين تآمروا ضده , ولم يخاطب اغلبية المعارضين من العناصر الوطنية المخلصة للثورة و المدافعة عن الديمقراطية واستقلال القضاء؟ وهل صحيح ان قرينة التآمر التي اشار اليها وتمثلت في اجتماع تنسيقي عقد بمكتب احد المحامين الذين سبق اتهامهم في موقعة الجمل , هذا الاجتماع ضم شخصية من بين اعضاء المحكمة الدستورية , وممثلين اثنين عن القضاة و المحامين واحد المنسحبين من لجنة الدستور؟
_ هل صحيح ان هناك اطرافا عربية ضالعة في التآمر الذي اشار اليه , وما حقيقة التحويلات المصرفية التي ارسلت من الخارج ورصدت اخيرا بعدما اثارت الانتباه؟ ومن هم المرسل اليهم في هذه الحالة , وهل اثبتت التحقيقات ان لهم علاقة بالمظاهرات التي خرجت؟
عندي سؤال اخير اوجهه للذين صاحوا منادين برحيل الرئيس وتحدثوا عن فقدانه لشرعيته هو : ما هو البديل؟ وهل يعقل ان تقوم الثورة في مصر لكي يتولي امرهم في نهاية المطاف رموز تليفزيونية لا ظل لها علي الارض.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق