وائل قنديل ... وكانها كانت امس , تلك الليلة الحالكة السواد التي بدات فيها مجزرة مجلس الوزراء في مثل هذه الايام من ديسمبر ٢٠١١.
من الذاكرة اعيد هذا المقال المنشور في ١٧ ديسمبر من العام الماضي :
الفرق الوحيد بين مذبحة ميدان مصطفي محمود عام 2005 وبين مجزرة شارع مجلس الشعب ليلة الجمعة ' ١٦ ديسمبر ٢٠١١ ' يكمن في جنسية الضحايا , ففي الاولي قتلت قوات وزارة الداخلية المصرية واصابت عشرات من المعتصمين السودانيين الذين ضاقت عليهم الارض بما رحبت فتصوروا ان في مصر مكانا لهم -- وفي الثانية كان الضحايا مصريين و الجناة ايضا مصريين , غير ان المفارقة ان وزارة الداخلية لم تكن الفاعل في هذه الجريمة رغم ان وزيرها الجديد هو بطل مذبحة السودانيين في ميدان مصطفي محمود.
كانت الاجواء غريبة ومريبة في مقر الاعتصام في الليلة التي اعقبت محاولة تسميم المعتصمين بوجبات فاسدة , وكان القلق و التوجس و الترقب وتوقع الاسوا حاضرين وظاهرين علي الملامح وفي حوارات المتواجدين في المكان , خصوصا مع ظهور وجوه غير مالوفة.
وبعد نحو ساعة من منتصف الليل كنا نقف في قلب الاعتصام في نقاش حول القادم , مجموعة من الشباب واساتذة الجامعة و الاعلاميين , عندما سمعنا اصواتا تتعالي من نهاية الشارع , مع صفير مرتفع يقرا الثوار اشارته بان هناك خطرا ما , وقيل ان احد الشبان المعتصمين اختطف وانه في قبضة الشرطة العسكرية , وهنا ادرك الجميع ان سيناريو مخيفا بدا تنفيذه.
واصبح المعتصمون في مواجهة الشرطة العسكرية فجاة , ودارت مفاوضات لاطلاق سراح الناشط عبودي , انعشها ان المعتصمين اكتشفوا احد رجال الامن مزروعا بينهم , فامسكوا به وقرروا الا يتركوه الا بعد اطلاق سراح زميلهم.
وقبل الفجر , وكما روت لي الزميلة نور الهدي زكي قال الضباط للمعتصمين ان عليهم استلام عبودي من الباب الخلفي لمجلس الشعب , وكانت الصاعقة التي نزلت علي الجميع عندما وجدوا ' عبودي ' في حالة اعادت الي الاذهان ملامح وجه الشهيد خالد سعيد , حيث تعرض لاعتداء وحشي ترك آثارا مفزعة علي جسده -- وهنا ارتفع مستوي الغضب الي الذروة لتبدا الهتافات الصاخبة ضد العسكر , ثم تتم عملية الهجوم علي الاعتصام واحراق خيام المشاركين فيه علي من فيها.
والحاصل ان خطف احد النشطاء لم يكن مصادفة تطورت وتفاقمت حتي ادت الي هذه النهاية , بل كانت سيناريو مدبرا للاجهاز علي الاعتصام واصطياد المعتصمين.
والواضح فعلا من هذه الاحداث ان الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء الجديد يتمتع بصلاحيات كاملة ومطلقة تكفي لعشرة رؤساء وزراء معه , بدليل ان الرجل شدد علي انه لن يتم استخدام العنف المادي او اللفظي مع المتظاهرين لانهاء الاعتصام , وها نحن نري كيف تم اقتحام الاعتصام بمنتهي الرومانسية و النعومة , ومن غير المستبعد ان تكون النار التي اشتعلت في خيام المعتصمين قد اندلعت اثناء محاولة احد الضباط اشعال شموع تورتة الاحتفال بالاعتصام , بمناسبة دخول اسبوعه الخامس.
ولا ادري كيف سيكون شعور كمال الجنزوري العائد الي السلطة بعد فراق اوجع قلبه وهو يعبر الي مكتبه فوق اجساد ديست بالبيادات وركلت وسحلت علي الاسفلت؟
ان الذين سفكت دماؤهم واحرقت خيامهم وكسرت اطرافهم هم الذين جعلوا المجلس العسكري حاكما علي مصر -- وهم الذين اعادوا كمال الجنزوري الي الحياة بعد موت سياسي سريري , وهم ايضا اصحاب الفضل الاول في الوصول الي الانتخابات التي يطبلون ويزمرون لها.
هم ايضا القادرون علي انتزاع الحلم من قبضة سجانيه.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق