الشاعر الكبير فاروق جويدة ... لا ادري متي يجتمع شمل المصريين مرة اخري -- متي يعود الابناء الي بيوتهم و الآباء الي اعمالهم و الساسة الي رشدهم متي نستعيد قدرتنا علي التفاهم و الحوار و الخروج من هذا النفق المظلم --
متي يجلس عقلاء هذا الوطن ويتدبرون احوال الناس ومعاناتهم حتي تبدا رحلة البناء و التنمية بعد كل هذا الوقت و العمر الضائع --
وحدتنا الثورة وفرقتنا الغنائم ولا اعتقد ان هناك منتصرا ولا مهزوما في كل هذه الصراعات بعد كل ما حدث في الشارع المصري من انقسامات وفصائل -- ولا اتصور ان القوي السياسية لا تدرك ماساة ما حدث في حياة المصريين فلم يعد الانقسام قاصرا علي الشارع بل امتد واشعل الفتن بين ابناء الاسرة الواحدة في كل بيت مصري الآن تجد الاخواني و السلفي و الليبرالي ونسوا جميعا انهم مصريون --
كل شيء في مصر منقسم علي نفسه الآن واكبر دليل علي ذلك نتائج المرحلة الاولي من الدستور و التي اكدت ان المصريين الآن فريقان متصارعان كل فريق يحمل اسلحته وكنت اتمني لو ان كل فريق يحمل برنامجا وان الخلاف حول الوسائل و الاهداف و البرامج التي تحقق رفاهية هذا الشعب واستقراره ولكن الخلاف الان حول الغنائم ومن يفوز بهذه الغنيمة المسمومة التي استنزفت امن الشعب واستقراره -- لقد خرجنا من نظام فاسد نهب ثروات هذا الوطن لكي نسقط في مستنقع الانقسامات و الصراعات حيث لا عمل ولا انتاج ووصلنا الي نفس النتيجة نظام سرقنا ونظام قسمنا شيعا واحزابا -- كل شيء في مصر الآن منقسم علي نفسه وما اكثر الشواهد :
< ان القوي السياسية لا تعترف الآن ببعضها البعض اذا جلست مع الاخوان المسلمين غابت لغة التفاهم و الحوار لانهم يريدون الغنيمة بالكامل ولا يفكرون في اقتسام شيء مع الآخرين -- انهم يريدون الرئاسة و البرلمان و الشوري ومؤسسات الدولة الجيش و الشرطة و المخابرات ومصادر الانتاج وتسالهم واين ما لديكم من البشر الذين يتحملون مسئوليات ذلك كله ولا تجد الا الصمت و الفراغ -- ان القضية ليست في امتلاك الاشياء و السيطرة عليها ولكن في حسن ادارتها وانقاذها من هذه الازمات.
وفي نفس الاتجاه تجد فصائل السلفيين وهم يحاولون اقتناص الاضواء بكل الوسائل المشروع منها وغير المشروع انهم فقط يريدون تاكيد علي ان الاخوان ليسوا وحدهم وان السباق سيكون في صالحهم يوما وان الاخوان مجرد مرحلة عابرة وان الساحة سوف تخلو لهم وليس ذلك ببعيد -- ومن حين لآخر لجا السلفيون الي تصرفات غريبة لشد الانتباه بان يحاصروا مدينة الانتاج الاعلامي او يحرقوا مقر حزب الوفد او يخيفوا الناس باساليب غريبة علي الفضائيات وللاسف الشديد ان التيار الاسلامي خسر الكثير وربما اضاع فرصة تاريخية لن تتكرر في حكم اكبر واقدم دولة عربية اسلامية.
علي الجانب الآخر كانت الفصائل الليبرالية تحاول تصحيح اخطاء قاتلة ارتكبتها بعد الثورة حين تحولت الي شراذم حزبية وانفصلت تماما عن الشارع المصري مؤكدة فشلها في التواصل مع الشعب -- بعد فترة من الضياع ما بين معارك مع التيارات الدينية و المجلس العسكري اكتشفت هذه التيارات انها اضاعت الكثير من الوقت و الجهد وراء معارك خاسرة لم تجن منها شيئا غير المزيد من التشرذم و الانقسامات -- بدا الليبراليون يجمعون صفوفهم مرة اخري تحت زعامات تجمعها اهداف مؤقتة في مواجهة عدو واحد وللاسف الشديد ان جميع الفصائل لم تقدم برنامجا لاعادة بناء مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لقد غرقت جميعها في المليونيات وحشد المواطنين في الشوارع وتسال متي يعود هؤلاء الي بيوتهم واعمالهم ومصانعهم المغلقة -- ولا تجد الاجابة --
لقد كشفت هذه الانقسامات بين التيارات الدينية و الليبرالية من جانب و الاختلافات بين هذه التيارات نفسها وما تجمعه من افكار متناقضة عن غياب حقيقي لثقافة الاختلاف وان النخبة المصرية في حاجة الي وضع دستور للحوار فيما بينها قبل ان تكتب دستورا للشعب الذي تريد ان تحكمه --
كشفت ثورة يناير عن جوانب القصور في شخصية المثقف المصري وانه غير قادر علي قبول الراي الآخر او الحوار مع ما يرفض او يخالف وتحولت لعنة الانقسامات بين المصريين الي كابوس يطاردهم في كل مكان يذهبون اليه -- ومع اتساع دائرة الانقسامات في المواقف و الافكار غابت الثقة وبدات رحلة الاتهامات بالعمالة و التخوين ومع تدفق الاموال الخارجية و الداخلية ازدادت حدة الشراسة في المواجهة بين ابناء الوطن الواحد --
< كان من الضروري وسط هذا التشرذم ان تظهر في الافق قوي اخري تسعي الي مواجهة حالة التردي التي اصابت النخبة وكان الظهور المكثف للمراة المصرية في الشارع المصري اكبر تاكيد علي فشل النخبة وقد ظهر ذلك واضحا في مشاركة المراة غير المسبوقة في تاريخنا الحديث في المرحلة الاولي من الاستفتاء علي الدستور.
كانت حشود المراة في كل المحافظات اكبر دليل علي انها تحاول ايجاد صيغة من التوازن بين القوي السياسية وتعلن تمردها علي هذا الانقسام الرهيب في مسيرة الوطن -- كان خروج المراة صرخة احتجاج علي نخبة تقتل ابناءها في صراعات وانقسامات ومعارك تدفع الوطن كل الوطن الي مواجهات دامية سقط فيها الشهداء امام طموحات مريضة وافكار شاذة ورجال لا يخافون الله في وطن يحترق --
كان خروج المراة بهذه الحشود انقساما جديدا في جسد مصر بحيث وجدنا انفسنا امام تيارات سياسية متصارعة باسم الدين حينا وباسم الحريات احيانا وخرجت المراة المصرية تعلن رفضها لكل هذا وتعيد للميزان توازنه المفقود --
< هناك فريق آخر هم شباب مصر ويبدو انهم اكتشفوا بعد معاناة طويلة انهم سقطوا ضحية لخديعة كبري واصبحوا طرفا في لعبة سياسية افتقدت الشفافية و النقاء و المصداقية -- ان الشباب هو صاحب الثورة وهو الذي اشعلها في البداية وهو يدرك عن وعي انه صاحب المستقبل وان جميع اطراف اللعبة السياسية تلعب في الوقت الضائع وانها استخدمته في اغراض مشبوهة وهنا افاق الشباب علي تلك المواجهة التي تدفعه اليها اياد افتقدت الامانة و المسئولية وبدا الشباب يدرك انه طرف في لعبة شاذة وغريبة وعليه ان يغير مساره قد يحتاج ذلك كله بعض الوقت حتي تتلاقي جموع الشباب علي هدف واحد بعيدا عن خصومات فكرية ليس هذا وقتها امام وطن تضيع منه فرصة تاريخية قد لا تتاح له مرة اخري.
من هنا فان الرهان الحقيقي لمن اراد ان يعرف مسار الاحداث في مستقبل مصر ان يدرك ان هذا المستقبل سوف يقوم علي عنصرين رئيسيين هما المراة و الشباب وعلي زعماء وقادة القوي السياسية الاخري ان يدركوا ذلك ليس فقط لانهم فشلوا ولكن لان المراة غيرت حسابات كثيرة في المعادلة ولان الشباب لن يقبل ان يكون اداة لتصفية حسابات بين اجيال عجزت ان تعيش عصرها او تكمل مشوارها.
< ان الشيء المؤسف ان الانقسامات بين القوي السياسية انعكست بصورة خطيرة علي القرار السياسي وادارة شئون الدولة -- وقد تاكد ذلك بصورة قاطعة في الصراع و التخبط في سلطة القرار -- مازال الصراع قائما و الخلاف واضحا حول مشروع الدستور ومازلنا ننتظر نتائج الاستفتاء و التي اكدت في مرحلتها الاولي ان الانقسام في الشارع المصري قد وصل الي اخطر حالاته ومراحله ثم كانت الانقسامات حول الاعلان الدستوري وماترتب عليه من اضطراب في الشارع المصري ابتداء بموقعة الاتحادية وانتهاء باحراق الاحزاب السياسية -- ثم كانت ماساة رفع الاسعار و الضرائب والغائها في ليلة واحدة -- ثم كانت الخلافات حول عملية الاستفتاء وهل تتم في يوم واحد ام يومين -- وقبل هذا كله كانت معركة القضاء وما اصاب صفوف القضاة من انقسامات امام اجراءات وقرارات غريبة انتهت بحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الانتاج الاعلامي واحراق مقرات الاخوان المسلمين وحزب الوفد وحصار مسجد القائد ابراهيم والغاء لقاء المصالحة الوطنية بالقوات المسلحة ثم كانت نهاية المشهد المرتبك باستقالة النائب العام --
وسط هذه الحالة من الارتباك و التعارض الشديد في القرارات وغياب هيبة الدولة خرج المصريون يوم الاستفتاء في عشر محافظات في صورة حضارية مذهلة في الانضباط و الترفع و السلوك الحضاري الرفيع وهنا تبدو مفارقة غريبة اذا كان الاستفتاء قد تم بهذه الصورة فماذا عن الشتائم و البذاءات و الصراعات و المعارك و المنشورات التي تسللت الي كل شيء خاصة ما ينشر امام العالم كله علي الفيس بوك و النت وهذا المستنقع الرهيب من التجاوزات الاخلاقية و السلوكية
مازلت احلم ان تعود مواكب الحكمة و العقل الي المشهد مرة اخري خاصة بعد ان اعتدل الميزان وبدا كل فريق يشعر انه لن يقود السفينة وحده وبعد ان تصدرت المراة المصرية المشهد السياسي لتعلن رفضها لهذا الانقسام البغيض --
بقي ان تدخل حشود الشباب الساحة بفكر جديد وسلوك مترفع لكي تضع جميع القوي السياسية تصورا جديدا لمستقبل يليق بنا شعبا ووطنا وتاريخا لم يعد الوقت في صالحنا علي كل المستويات ويبدو ان هناك لحظة تاريخية نادرة تكاد تفلت من ايدينا رغم انها جاءت بعد طول انتظار, امامنا تحديات اقتصادية مخيفة وانقسامات دامية وضغوط شعبية لا حدود لها وقبل هذا كله غياب كامل لهيبة الدولة وهذا مؤشر خطير جدا في ظل انقسام وطني عنيف.
المصريون لم يتركوا الشارع منذ عامين ولا ادري متي يعودون الي بيوتهم -- وقبل هذا يعودون الي ضمائرهم التي اختفت تماما في هذا الزحام
-- ويبقي الشعر
لن اقبل صمتك بعد اليوم
لن اقبل صمتي
عمري قد ضاع علي قدميك
اتامل فيك. واسمع منك.
ولا تنطق.
اطلالي تصرخ بين يديك
حرك شفتيك.
انطق كي انطق.
اصرخ كي اصرخ.
ما زال لساني مصلوبا بين الكلمات
عار ان تحيا مسجونا فوق الطرقات
عار ان تبقي تمثالا
وصخورا تحكي ما قد فات
عبدوك زمانا واتحدت فيك الصلوات
وغدوت مزارا للدنيا
خبرني ماذا قد يحكي, صمت الاموات!
ماذا في راسك. خبرني!
ازمان عبرت.
وملوك سجدت.
وعروش سقطت
وانا مسجون في صمتك
اطلال العمر علي وجهي
نفس الاطلال علي وجهك
الكون تشكل من زمن
في الدنيا موتي. او احياء
لكنك شيء اجهله
لا حي انت. ولا ميت
وكلانا في الصمت سواء.
اعلن عصيانك. لم اعرف لغة العصيان.
فانا انسان يهزمني قهر الانسان.
واراك الحاضر و الماضي
واراك الكفر مع الايمان
اهرب فاراك علي وجهي
واراك القيد يمزقني.
واراك القاضي. و السجان!.
انطق كي انطق
اصحيح انك في يوم طفت الآفاق
واخذت تدور علي الدنيا
واخذت تغوص مع الاعماق
تبحث عن سر الارض.
وسر الخلق. وسر الحب
وسر الدمعة و الاشواق
وعرفت السر ولم تنطق؟
ماذا في قلبك؟ خبرني!.
ماذا اخفيت؟
هل كنت مليكا وطغيت.
هل كنت تقيا وعصيت
رجموك جهارا
صلبوك لتبقي تذكارا
قل لي من انت؟
دعني كي ادخل في راسك
ويلي من صمتي!. من صمتك!
ساحطم راسك كي تنطق.
ساهشم صمتك كي انطق!.
احجارك صوت يتواري
يتساقط مني في الاعماق
والدمعة في قلبي نار
تشتعل حريقا في الاحداق
رجل البوليس يقيدني.
والناس تصيح :
هذا المجنون.
حطم تمثال ابي الهول
لم انطق شيئا بالمره
ماذا. ساقول؟.
ماذا ساقول!
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق