ماذا عن المجرمين الكبار من المدبرين و المخططين وائل قنديل


فور النطق بالحكم في قضية مذبحة ملعب بورسعيد تحول الشعب المصري كله الي خبراء في اعمال القضاء و النيابة , و انفتح مهرجان التعليق للجميع علي احكام القضاء , و امتد حبل الطنطنة و التخمينات .

وبينما كان اهالي شهداء الالتراس يتنسمون هواء الشعور بالراحة لاول مرة منذ وقعت المذبحة , فان شريحة لا يستهان بها من النشطاء اصابتها حالة من الوجوم الاقرب الي الاسي الغاضب من فرحة اسر الشهداء بالحكم , وكان حزن وغضب ذوي الضحايا لا يجب ان ينتهي او يتوقف ابدا , بل يستمر الي ما لا نهاية وقودا لا ينفد وطاقة لا تنضب لخدمة حزمة من الاهداف السياسية الثابتة لبعض قادة ' المعارضة ' التي تريدها حربا سرمدية , او علي الاقل حتي سقوط آخر متظاهر بالرصاص.

ان اصحاب الدم و الهم حين يفرحون يجب ان يحترم الكل فرحهم ويرضخون لشعورهم بالارتياح ولا يزايدون عليهم , وبالتالي علي سماسرة الحزن ومستثمري الغضب البسيط المنزه عن القيم الحاكمة لسوق السياسة في مصر ان يمتنعوا عن اهانة هذه المشاعر العفوية الصادقة , وان يبحثوا عن خامات وذخيرة اخري يواصلون بها معركتهم الخاصة.

ومادام اصحاب القضية قد ابتهجوا بالحكم فليس اقل من ان تقول لهم ' مبروك ' او تلتزم الصمت بدلا من جلدهم علي هذه البهجة بما يرون فيه عدلا وقصاصا.

ولقد كان المتصور ان يبقي العدل و الحق قيمة موضوعية ثابتة لا تتغير تبعا لتغير الاشخاص و الاماكن و الامزجة , غير انه ثبت اننا نعيش حالة من السوفسطائية السياسية , تتحول معها القيم كالخير و العدل الي مسائل ذاتية ونسبية يتم حسابها بالمقاييس الشخصية , ودرجة تحقيقها للمصلحة الشخصية او الحزبية من عدمه.

واذا كان هناك من يريد قراءة الحكم سياسيا فهذا حقه , ومن يعتبره اخمادا لحريق يوشك ان ينقض علي الكل فله ذلك ايضا , لكن يبقي المعيار الحاكم هنا هو ردود افعال ذوي الدم واصحاب القضية الحقيقيين , بعيدا عن بورصة السياسة و الصراعات الحزبية.

لقد نزل الحكم بردا وسلاما علي اصحاب الدم وجماهير الالتراس التي كانت قبيل النطق بالحكم ظاهرة ثورية محترمة ومقدرة في نظر قادة التظاهر , واخشي ان يتم وضعهم في قفص الاتهام ' الثوري ' لمجرد انهم استقبلوا الحكم بارتياح وهدا غضبهم , اذ يبدو ان المطلوب ان يبقي هؤلاء دوما وقودا وحطبا لنار السخط و العنف.

و يبقي ان علي النائب العام ان يفي بوعده ويظهر جدية وصرامة في استكمال التحقيق في المذبحة بناء علي ما قال انه ادلة جديدة .

و اذا كان القضاء قد انزل العقاب علي ادوات الجريمة فان العدالة تقتضي ان تقود التحقيقات الجديدة الي المجرمين الكبار من المدبرين و المخططين و المحرضين و الضالعين في القتل صمتا او اهمالا او رضا بالمجزرة , التي كانت الي السياسة اقرب منها الي شغب الملاعب .

ليست هناك تعليقات :