
التصور الذي يمكن الاتفاق عليه في قراءة احداث الخروج الذي شهدته مصر يوم الجمعة الماضي يتمثل في ان المتظاهرين كانوا من معارضي الرئيس مرسي , وحسنا فعل مؤيدوه لانهم ظلوا خارج الصورة , بعدما تعلموا الدرس من تجربة العراك الذي حدث في محيط قصر الاتحادية من جراء الاشتباك بين جموع المعارضين و المؤيدين , وتلك خلاصة تعني ان فكرة الاجماع الوطني تراجعت في مصر. وان اجواء الانقسام مرشحة للاستمرار الي مدي لا يعلمه الي الله .
فيما عدا هذه الخلفية فان القراءات و الاجتهادات يمكن ان تختلف في تكييف بقية وقائع اليوم. فقارئ الصحف التي صدرت امس ' السبت 26/1 ' يلاحظ انها ركزت علي الجوانب التي تهم تحيزها وموقفها السياسي. وهو ما تجلي مثلا في الاشارات المتعددة الي نداءات اسقاط الرئيس مرسي و التنديد بحكم المرشد. واستبعاد الحكومة الحالية واسقاط الدستور والغاء مجلس الشوري وقانون الانتخابات. وهي شعارات اذا وضعت جنبا الي جنب فهي تعني العودة الي نقطة الصفر , وهدم كل ما تم بناؤه هو الهدف الاساسي للجموع التي خرجت وظلت في الميادين طوال النهار. وهو انطباع غير صحيح لان اعدادا لا يستهان بها خرجت لانها ضائقة باعباء الحياة المتزايدة , ولانها لم تلمس بعد ان ثمة تقدما حقيقيا يقنعها بان مطالب الثورة يجري الاستجابة لها. وكان ذلك ملاحظا في تحفظ بعض الناشطين البارزين علي فكرة الاسقاط , وتاكيدهم علي اهمية استعادة روح البناء ومبادراته التي تقنع الراي العام بان ثمة تقدما علي الطريق الصحيح.
من ناحية اخري فان بعض الذين تصدروا الواجهات الاعلامية تصوروا ان الجماهير خرجت استجابة لنداءاتهم ودعواتهم التي ظلوا يبثونها عبر وسائل الاعلام طوال الاسابيع الاخيرة. ومن ثم تصرفوا وكان تلك الجموع من جماهيرهم , وراينا ان بعضهم صدق ذلك فراحوا يلوحون مسرورين لتلك الجماهير , معتبرين ان مجرد ظهورهم علي الشاشات وسط الزحام يؤكد قيادتهم السياسية في الساحة المصرية , وذلك وهم كبير من آثار فتنة الظهور التليفزيوني , التي لا تفرق بين الحضور في الفضاء او عبر مواقع العالم الافتراضي , وبين الحضور علي الارض. وغاية ما يمكن ان نقوله بحق تلك القيادات الي جانب احترامنا للجميع انها لم تختبر بعد علي ارض الواقع. وحتي اذا كان بعضها قد نال حظا من التصويت في الانتخابات السابقة , فينبغي الا ننسي ان التصويت لا يكون بالضرورة تاييدا لذات المرشح , ولكن تعبيرا عن رفض واستنكار مرشح آخر. من ثم فانه في هذه الحالة يكون الافضل , ولكنه الاقل سوءا. وسوف يحرم من ذلك الصوت بمجرد ظهور من يظن انه الافضل حقا.
اذا صح ذلك التحليل فهو يعني ان الكتل البشرية التي راينها في الصور لا تقف بالضرورة في مربع اولئك القادة المفترضين , وانما هناك مسافة في الرؤية و الهدف بين الواقفين علي المنصات و المحتشدين في الميدان.
اما الامر الذي لم يكن مفهوما فهو موقف القوي السياسية من قضية العنف الذي بدا عبثيا في بعض الاحيان. ذلك انني لم افهم لماذا يحاول البعض احراق مبني هيئة السكك الحديدية الجديد في ' محطة مصر ' او محاولة اقتحام مبني الاذاعة و التليفزيون او دفع الجماهير الي الاشتباك مع الشرطة لمحاصرة مجلس الشوري او الوصول الي وزارة الداخلية. ورغم ان هناك ممارسات وقعت لا يمكن نسبتها الي الثوار , فان تطوع بعض المثقفين للدفاع عنها او تبريرها علي شاشات التليفزيون واعتبارها اعمالا ' ثورية ' بدا محيرا وباعثا علي سوء الظن , لان كلامهم المؤيد لتلك الممارسات او المبرر لها بدا في حقيقة الامر دعوة الي الفوضي التي لا تحمد عقباها.
ومما يبعث علي الدهشة و الحيرة اننا لم نلمس استنكارا سواء من القوي السياسية او المثقفين الذين ظهروا علي شاشات التليفزيون لظهور مجموعات من لابسي الاقنعة و الثياب السوداء الذين لا يشك احد في ان خروجهم بتلك الهيئة كان من قرائن التوجه الي العنف واستثمار خروج الجماهير لاشاعة البلبلة و الفوضي. وهو ما طمس وميَّع الفوارق بين الثوار وبين البلطجية.
اخيرا فانني لم افهم لماذا غابت السلطة السياسية عن المشهد. وتركت الامر كله للشرطة. اذ لم استرح للاخبار التي دابت علي تذكيرنا بان رئيس الوزراء يتابع الموقف هاتفيا من مدينة دافوس السويسرية , ولم استسغ الرسالة التي وجهها الرئيس مرسي علي ' تويتر ' قبل منتصف الليل وعزي فيها اسر الشهداء و الضحايا الذين سقطوا في بعض المواجهات. وتمنيت ان يخاطبنا الرئيس بنفسه في هذه المناسبة. لاننا مازلنا نريد ان نسمع منه الكثير عما يحدث في البلد الآن. وما نتمني له ان يحدث في المستقبل القريب. وهو ما يسوغ لي ان اقول ان احداث ذلك اليوم من اوله الي آخره خاطبت الغرائز و الانفعالات ولم تخاطب مداركنا وعقولنا , فضلا عن ان الخروج وظف لصالح حسابات النخبة وليس تطلعات المجتمع.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق