كيف ينظر العالم الى مصر و مشاكلها و نهوضها الاقتصادي المرتقب معتز بالله عبد الفتاح


كنت في لقاء قريب مع بعض الاصدقاء , وكان معهم دبلوماسي سابق من احدي الدول التي حققت انجازا اقتصاديا هائلا في آخر عشرين سنة. وقد كان في زيارة الي مصر. وقد طلب الرجل لقاء شخصي المتواضع اعتقادا منه انني بحكم عدم انتمائي الحزبي قد تكون لي رؤية مختلفة قليلا عن اصدقائه من الحزبيين , وربما استطيع ان اساعده علي فهم الواقع المصري بعيدا عن ' صراع الديوك ' ' والتعبير له ' الحادث في حياتنا السياسية. ولان الرجل كان يعيش في مصر من قبل الثورة , ويراقب باهتمام ما يحدث في مصر , فقد دفعه عمله من ناحية وحرصه الشخصي من ناحية اخري , الي لقاءات كثيرة تتخطي واجبات وظيفته. بل معه ترجمة مقالات بعض الكتاب المصريين ومن ضمنها مقالاتي المتواضعة وهناك ملاحظات مكتوبة عليها وكانت مثار سؤاله. وبالتالي هو من الناحية العملية يناقشني في مقالاتي. وبما ان ما عندي اقوله عادة علي الملا , فلا يوجد اسرار.

ولكن ما قاله الرجل اهم بكثير مما قلته.

الرجل يستغرب ان المصريين ليسوا فرحين بما انجزوا حتي الآن وانهم يمارسون ديمقراطية التخلص من الخصوم وليس المنافسة معهم , ولا يرون حجم التحديات التي امامهم بالذات من الناحية الاقتصادية. ويعتقد ان انجاز مصر لدستور يحقق التوازن في السلطات حتي لو كانت عليه بعض التحفظات من المعارضة افضل كثيرا من ان تظل البلاد بلا دستور. وهو يميل الي ان يحمل المسئولية علي الرئاسة اكثر منها علي المعارضة في ادارة الحوار الوطني , وان كان يري ان المعارضة تتعنت اكثر من اللازم.

ولا جديد في تاكيده ان وحدة المعارضة هي كلمة السر في تحقيق ديمقراطية حقيقية , وذكر صراحة ما اشرت اليه في احدي مقالاتي من ان القدرة علي كبح جماح السلطة ' اي التحكم في الفرامل ' لا يقل اهمية عن شخص او حزب من يمسك بعجلة القيادة.

ويري ان مشاكل مصر الاقتصادية هي في جوهرها ادارية وسياسية. وضرب امثلة بعدة دول لديها امكانيات اقل من مصر , لكنها انجح من المصريين في ادارة مواردها وبناء مستقبلها. تذكرت اثناء حديثه كلاما قاله الدكتور فؤاد زكريا عن ان واحدا من امراض العقل العربي هو انه يسعي لتسجيل المواقف والقاء اللوم علي الآخرين اكثر من سعيه لايجاد حلول عملية للمشكلات. وقد تقبل كلامي بتحفظ ان هذه عادة توجد في مشكلات تضعف فيها القيادة وتغيب فيها الرؤية واضحة للمستقبل بما يجعل الناس تلتفت للماضي و الحاضر اكثر من سعيها لبناء المستقبل.

وكان المثير للتامل ان الرجل , من باب حرصه علي مصر , يطالب الاجيال الاكبر الا تنقل امراضها السياسية الي الاجيال الاصغر التي ينبغي ان تصنع تجربتها بنفسها . لان اجواء الحرية التي تعيشها مصر الآن ستنتج عقولا وشخصيات مختلفة عن اولئك الذين عاشوا في عهود سابقة.

اما بشان دور الحكومة في النشاط الاقتصادي , فقد طالبها اولا بالاستفادة من دول العالم التي حققت نهضة صناعية في آخر 20 سنة , ونصحنا بان نركز علي ترجمة الكتب التي تتحدث عن تجارب الدول الآسيوية و اللاتينية في النهضة الاقتصادية لانه لا يوجد وصفة طعام ' cook book ' واحدة لتحقيق التنمية , وان كان التزام الجميع بقواعد اللعبة السياسية و الاستقرار التشريعي ومحاربة الفساد ووجود شراكة واضحة بين الحكومة و القطاع الخاص هي من متطلبات اي نهضة اقتصادية.

رسالة اخيرة قالها الدبلوماسي الاجنبي وهو ان العالم يواجه مشكلة حقيقية في فهم ما يحدث في مصر. هل مصر بصدد ثورة اخري قادمة ام هي بصدد نهاية ثورة وميلاد نهضة ام هي في حالة عشوائية لا يمكن التنبؤ بها؟

' الخوف علي مصر ليس لانها فقط مهمة استراتيجيا للمنطقة , ولكننا نعتقد انها بذاتها قادرة علي ان تكون مثل ماليزيا او ان تكون مثل بنجلاديش ' . هذا ما قال , وطلب مني نقله للقراء الكرام.

ليست هناك تعليقات :