مصر تحتاج قادة رابطي الجاش غير مرتعشي اليد و لا بطيئي الفهم و معارضة راشدة



نادر بكار ... من حق من شاء ان ينزل الي الشارع في ذكري اندلاع شرارة الثورة ليعبر عن رفضه لسياسات الحكومة الفاشلة وعن ضيقه ذرعا ببطء المؤسسة الرئاسية , ومن حقي وحق الملايين غيري ان نطالبه بان لا يقع في نفس الخطا الذي يثور بسببه , من حقنا ان نقول له لا تستبد بالامر وتحاول فرض وجهة نظرك علي شعبٍ باسره , فلن يكون الحل ابدا بنسف اركان الدولة من قواعدها.

ومخطئ من ياخذ من مذهب ' كونداليزا رايس ' ان الفوضي يمكن ان تكون خلاقة او ان تبني نظاما جديدا قادرا علي تحقيق آمال الجماهير بضغطة زر.

الثائر علي الظلم لا يخشي احدا ليخفي منه وجهه , و الشعب الذي ثار في الخامس و العشرين من يناير ما كان بحاجة لارتداء اقنعة تحجب هويات افراده , ولا الي سلاحٍ ينازل به عدوه , بل ولا حتي الي درع يتمترس خلفه , فثورته كانت عفوية ارتجالية . تكونت جذوتها في النفوس من غضبٍ وفقدان ِاملٍ وجراةٍ علي التغيير امام نظام سرق وقتل وخان وسحق واستكبر علي مدار ثلاثة عقودٍ كاملة.

' ليست النائحة الثكلي كالمستاجرة ' مثال عبقري تفتقت عنه اذهان العرب قديما يقارنون به بين الحقيقي و المصطنع , بين المشاعر التلقائية وتلك المفتعلة , وهو نفس المثال الذي جنح اليه تفكيري مع اخبار ايقاف المترو واحتلال محطاته و الهجوم علي المجالس المحلية و المصالح الحكومية وقطع الطرق و الكباري ثم اطلاق النار و المولوتوف وسائر صور نشر الفوضي وبث الرعب في قلوب الآمنين -- هيهات ان تكون فوضي الاناركيين ثورة شعب!

عامدا ان اسميها ' عصابات القناع الاسود ' بدلا من اسمها المستورد ' بلاك بلوك ' لاستدعي من ذاكرة الجميع مشهد عصابات القناع الاسود الهزلية ابطال قصص الاطفال المصورة , في نفس الوقت الذي تضفي فيه كلمة ' عصابة ' الوصف الاجرامي اللائق بها ليمتزج الهزلي بالاجرامي في صبغة ٍواحدة!

والاكثر اثارة للاشمئزاز من حالة العنف الممنهج الذي يمارسه فوضويو ' عصابة القناع الاسود ' هو حالة اللهاث وراء تبرير ذلك العنف بانه رد فعل طبيعي علي فشل سياسي او اداري ومن ثم توجيه الراي العام نحو التعاطف مع هذه الشرذمة وتهيئته للتعود علي رؤية هذا المشهد المنفر.

لماذا لا نسمي الاشياء باسمائها دون ترددٍ او خوف؟ يا سادة الارهاب هو الارهاب ايا كانت الجهة التي خرج منها او المنهج الذي يتحيز له , لابد من اعلاء قيم دولة القانون لان دولة الميليشيات خيار كارثي سيمزق فيه الوطن كل ممزق بين عصابات ليبرالية واسلامية واناركية.

كيف يتناول الاعلام ظاهرة ترويع الآمنين بهذا القدر من ' التلميع ' ؟ كيف يستضيف افرادا ملثمين من ' عصابة القناع الاسود ' غرَّتهم حالة اختلال توازن الدولة وشجعتهم الادارة السيئة للبلاد علي استعراض العضلات وشهر الاسلحة وتوزيع البيانات الارهابية؟ اتذكر نفس الوصلة الاعلامية غير الشريفة التي صاحبت القاء القبض علي ' نخنوخ ' المتهم بالقتل وتجارة المخدرات وادارة العصابات.

وحقيقة يتحمل الرئيس جزءا كبيرا من المسئولية فقد كان بامكانه التعامل بحسمٍ من اول يومٍ خرج فيه الجميع عن السياق , انتقدته وقتها يوم ان تكلم في اثر احداث الاتحادية لاني توقعت منه ان يعلن بوضوح رفضه للعنف من اي جانب وحزمه مع المخالفين ايا كانت انتماؤهم , لكنه للاسف لم يفعل!

وتتحمل المعارضة بدورها نصيبا وافرا من اللوم بسكوتها او تباطُئها امام هذه الظاهرة المخيفة بل اعطاؤها قدرا من الدعم المعنوي امَّا ضمنيا او تصريحا . ثم تخطئ بعد ذلك اعظم الخطا لو ظنت ان بامكانها ايقاف عجلة العنف.

انتقدت مرارا وتكرارا حصار قصر الاتحادية و المحكمة الدستورية ومدينة الانتاج الاعلامي لاني كنت اعلم وقتها وكذلك المؤسسة التي انتسب اليها ان دائرة العنف ستتسع وستاخذ طابع الفعل ورد الفعل ولن يتمكن احد من ايقافها.

ادارة البلاد في هذا التوقيت الحرج تحتاج قادة رابطي الجاش واسعي الافق قادرين علي الاحتواء غير مرتعشي اليد ولا بطيئي الفهم وتحتاج معارضة راشدة تقدم حلولا واقعية وبرامج بديلة وتستشعر حجم مسئوليتها تجاه وطنٍ يحترق.

ليست هناك تعليقات :