هؤلاء الشهداء الذين لقوا حتفهم و سقطوا شهداء امام جحافل الاهمال و انعدام الكفاءة و غياب الاحساس بالمسئولية ليسوا ملكا لاحد , و بالتالي التجار و السماسرة و المستثمرون في الدم يمتنعون -- لا عزاء هنا للنائحات المستاجرات , العزاء للشعب المصري كله , دون تفرقة او تمييز او استغلال لكارثة القطار.
' دولا عساكر مصريين ' , ' دولا ولاد الفلاحين ' لمن لا يعرف او يدرك او يفهم , فقدناهم كما فقدنا قبلهم , وسنفقد بعدهم مادامت الكفاءة ليست شرطا , و الجدارة الاخلاقية و الانسانية ليست واجبا فيمن يتولي منصبا تنفيذيا , ومادامت قيم مثل الشفافية و العدالة , وقواعد مثل المحاسبة و العقاب غائبة ومغيبة عن الجهاز الاداري للدولة.
ومن هنا تاتي الدهشة من الافراط في تحميل رئيس الجمهورية شخصيا المسئولية الكاملة عن الحادث و كانه هو الذي كان يقود القطار , و ايضا العجب من هذه الحساسية المفرطة من قبل مؤيدي الرئيس لانتقاده بعنف باعتباره يتحمل جزءا من المسئولية السياسية عن الكارثة , لانه مسئول عن ترك المصريين بين يدي حكومة عاجزة و فاشلة و مهملة و بليدة لا تتعلم درسا اعيد علي مسامعها ثلاث مرات في اقل من ثلاثة اشهر , بدات بحادث قطار الفيوم , ثم مصيبة قطار اسيوط , و الآن كارثة البدرشين.
لقد صفعنا قطار البدرشين في اللحظة التي كنا نفتح فيها افواهنا وتجحظ اعيننا عجبا ودهشة من قرار احالة عامل مزلقان وملاحظ البلوك في كارثة قطار اسيوط التي اودت بحياة ٥١ طفلا للمحاكمة , وحدهما فقط ' عامل المزلقان وملاحظ البلوك ' يدفعان ثمن اخطاء وخطايا جرائم ممتدة بطول عقود من السنين شارك فيها وزراء ومسئولون تنفيذيون كبار , واسهموا في تردي كفاءة مرفق السكك الحديدية الي هذا الحضيض المخجل.
وحين وقعت فاجعة قطار اسيوط كتبت في هذا المكان مذكرا رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي بموقفه الصارم من مثل هذه النكبات حين كان نائبا برلمانيا قبل سبع سنوات عندما وقع حادث قطار الصعيد ' من حق المصريين ان يقارنوا بين محمد مرسي 2005 , و الرئيس مرسي في 2012 , فقبل سبع سنوات عندما كان الدكتور مرسي نائبا برلمانيا ووقعت ماساة قطار الصعيد طالب بمحاسبة سياسية وجنائية لوزير النقل ورئيس الوزراء في ذلك الوقت , بينما في 2012 جرت التضحية بوزير النقل بقبول استقالته , دون ان يتطرق احد الي مسئولية رئيس الحكومة سياسيا ' .
وللتذكرة ايضا كتبت ان وزير النقل رشاد المتيني اعلن بعد ماساة قطار الفيوم في الاسبوع السابق لمذبحة قطار اسيوط في مداخلة تليفزيونية علي قناة التحرير انه يعمل بلا مساعدين ويحمل المسئولية وحده , وعليه وباعترافه فان المسئولية السياسية و الجنائية عن حادث اسيوط المروع تبقي معلقة في رقبته , لذا فان الاستقالة او حتي الاقالة لا تكفي , اذ لا يمكن تصور ان يقع حادثان داميان في اسبوع واحد , وهي سابقة لم تحدث مع اي وزير للنقل و المواصلات , ودلالتها المخيفة ان احدا لم يعتبر او يستوعب , او بالاحري لم يهتم بدرس قطاري الفيوم -- ومن هنا لابد من محاكمة للوزير المسئول , ومحاسبة لرئيس الحكومة ' .
كان ذلك يوم ١٨ نوفمبر الماضي وبالطبع لم يتعرض وزير النقل السابق لمساءلة او محاسبة , وكان الاستقالة او الاقالة عقاب يكفي , ويعفي صاحبها من المسئولية , وهانحن بعد اقل من شهرين نصبح علي شر جديد وكارثة اخري , ستقيد بالطبع ضد سائق او عامل صيانة , بينما الوزراء و القيادات العليا لا يخطئون ابدا .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق