
الي متي سنظل نذرف الدمع علي ضحايا الاهمال في مصر. ونلقي بتبعة مسئولية الكوارث الناجمة من ذلك الاهمال علي عاتق النظام السابق؟ ليس جديدا ولا مفاجئا ما حدث امس في منطقة البدرشين وادي الي مقتل نحو عشرين شخصا واصابة عشرات بعضهم في حالة خطرة. فالكارثة احدي حلقات مسلسل نعرف له بداية ولا نعرف له نهاية. ونعرف ايضا ان ضحاياه هم من بسطاء الناس وفقرائهم , الذين لا يملكون بديلا ولا خيارا , وتضطرهم ظروفهم الي الاعتماد علي ما تقدمه الدولة من خدمات , دون ان يدركوا انها ظلت تتمسح فيهم بين الحين و الآخر , دون ان تعتني بامرهم في كل حين.
ليست معروفة علي وجه الدقة ملابسات الحادث الذي كان ضحاياه من المجندين حديثا بالقوات المسلحة , لكننا درجنا علي اقالة او استقالة الشخص الذي يحمل بالمسئولية الادبية عما جري , ثم تشكيل لجنة من الخبراء للتعرف علي ملابسات الحادث. وبعد بضعة اسابيع , حين يكون الناس قد نسوا الموضوع او انشغلوا بهموم او كوارث اخري , تعلن نتائج اعمال اللجنة , التي عادة ما تنتهي الي احالة الامر الي القضاء الذي يدين الصغار ويبرئ الكبار. وفي الوقت ذاته تطلق وعود كبار المسئولين التي تحاول طمانة الجميع الي ان الاوضاع ستتغير في اقرب فرصة.
هذا ' السيناريو ' تابعناه في اعقاب وقوع كارثة اسيوط التي تسببت في مقتل نحو خمسين من اطفال احدي المدارس , حين ارتطم القطار القادم من اسوان بالحافلة التي اقلتهم , وتمت استقالة وزير النقل آنذاك , ثم شكلت لجنة من اساتذة كلية هندسة اسيوط لدراسة ملابسات الحادث واوجه القصور فيه , ولاتزال محاكمة عامل المزلقان مستمرة. وقد شاء القدر ان تنشر جريدة الاهرام امس متابعة لزيارة رئيس الوزراء ووزير النقل الي احدي مناطق الجيزة للتعرف علي الجهد الذي بذل لتطوير ' مزلقانات ' المحافظة , في حين كان الدكتور هشام قنديل قد قام بجولة علي مراسي الاتوبيس النهري. ولم تمض ساعات معدودة علي ذلك حتي وقعت الكارثة الجديدة. فيما يمكن اعتباره رسالة تنبه الي ان الامر اكبر مما نظن , وان المشكلة لن تحل في اجل قريب , وان زيارة رئيس الوزراء من مبادرات حسن النية ولكنها قد لا تعني الكثير في حل المشكلات الحياتية المعقدة التي يواجهها المصريون.
لا استطيع ان اقلل من مسئولية النظام السابق , الذي لا ينكر احد انه لم ينشغل في اي مرحلة بمشاكل الناس او بالنهوض بالمجتمع من اي باب. بل كان انشغاله بمباريات كرة القدم وربما بالسياحة ايضا مقدما علي اي مرفق من مرافق الدولة. باستثناء الامن بطبيعة الحال. وكانت نتيجة ذلك ان تدهورت الخدمات بشكل مخيف , الامر الذي حول البلد في نهاية المطاف الي مجموعة من الخرائب في اهم القطاعات فلا تعليم ولا صحة او اسكان او مواصلات. وشاءت المقادير ان يحال امر ذلك كله الي النظام الجديد. بحيث يتحمل مسئولية التعامل مع الانقاض التي خلفها ذلك النظام. وهي جسيمة لا ريب , فضلا عن ان الانجاز فيها يحتاج الي وقت طويل. كما يتطلب توفير تمويل لا اعرف ان كان بمقدور الموازنة العامة ان تدبره ام لا ' للعلم : ذكر رئيس هيئة السكك الحديدية السابق ان تطوير مرفق النقل البري يحتاج الي مبلغ 12 مليار جنيه ' .
الا ان الاستسلام لهذه الفكرة لا يخلو من خطورة اذا ترتب عليها اكتفاؤنا بتوجيه اصابع الاتهام الي الماضي , وتبرئة ساحة السلطة القائمة حاليا. ذلك انه اذا كان من الصحيح ان النظام السابق هو الذي خلف الخرائب و الانقاض , الا انه من الصحيح ايضا ان النظام الجديد فرض عليه ازالتها , اولا عن طريق تحديد اولوياته في التعامل معها , وثانيا عن طريق طرح رؤية وتصور واضح لكيفية علاج كل مشكلة , وثالثا لاعلام الراي العام بحالة كل مرفق وبالفترة اللازمة ان لم يكن لحل كل مشكلة فعلي الاقل لحل اهم ثلاث او خمس اهم مشاكل تواجه المجتمع , لكي يعرف الناس الي اين نحن ذاهبون , وهل يتعلقون بالامل او يستسلمون للياس.
لست اشك في ان الناس علي استعداد لان يصبروا اذا اقتنعوا بجدية ما يسمعون. واذا ما راوا اثر الجهد الذي يبذل ملموسا علي ارض الواقع. ادري ان رئيس الوزراء يتحرك طول الوقت , وان بعض المنابر الاعلامية معنية بالاصطياد له باكثر من عنايتها بمتابعة جهده او تشجيعه وحثه علي الانجاز.
الا انه مع ذلك يظل مطالبا بان يتعامل مع المجتمع بشفافية تضع الناس في الصورة وتقنعهم بان ثمة حركة محسوبة في الاتجاه الصحيح. وما لم يفعل ذلك فسنظل نتلقي الكارثة تلو الاخري وننتظر من السماء معجزة لن تاتي ابدا , لان زمن المعجزات انتهي ولن يعود.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق