_ _ _
غدا -- الاثنين الخامس من ديسمبر من هذا العام ' ٢٠١١ ' الذي هو بالتاكيد في تاريخ هذه المنطقة ليس ككل الاعوام , يذهب المصريون الي صناديق الاقتراع. ليحسموا نتائج الجولة الاولي -- من الانتخابات الاولي بعد الخامس و العشرين من يناير. ها نحن اذن علي بعد خطوات من برلمان حقيقي ' منتخب ' , وها هي وزارة ' جديدة ' . فهل نستطيع اليوم ان نقول هكذا ان الثورة استكملت اهدافها؟ هل تمثل هذه الانتخابات نهاية الفعل الثوري؟ واذا لم يكن الحال كذلك , فهل نحن ماضون علي طريق الثورة الذي اخترناه؟ ام ان هناك من يري انه ' وصل فاتصل ' -- وكفي الله المؤمنين شر ما ياتي بعد ذلك من قتال؟
لا توجد اجابات قاطعة بعد. وان كنت اخشي اننا دون ان نلحظ نخلع رداء الثورة قطعة قطعة. فالملحوظة الاولي هنا ان ' الجنزوري ' لم يُخرِج من وزارة ' شرف ' الا الوزراء الذين كانت لهم علاقة بالتحرير -- خرج احمد البرعي . الوزير الذي وقف مع نقابات مستقلة للعمال. وخرج عمرو حلمي . الوزير الذي كان يرسل الاسعاف للتحرير. وخرج عماد ابو غازي . الذي استقال احتجاجا علي مجزرة التحرير الاخيرة.
لم ينقشع المشهد تماما بعد. ولكن وسط ضباب كثيف يغلف تفاصيل المستقبل السياسي لهذا البلد , هناك هوامش وملاحظات :
اولا : هل هناك من يختلف علي انه لولا ' التحرير ' . متظاهروه -- ومعتصموه -- وقبل اولئك جميعا شهداؤه لما كنا قد راينا هذه الطوابير علي صناديق الاقتراع. ولما وصل من سيصل الي سدة الحكم ومقاعد البرلمان؟
نعم , في حساب الانصاف و التاريخ , علينا ان نذكر كل حركات الاحتجاج التي دفعت ثمن تعبيد طريقنا الي صندوق انتخابات نزيه : حركة كفاية , و٦ابريل , وخالد سعيد , و الاخوان المسلمون , و الاعلام الحر , ومعهم كل الاجيال التي ناضلت علي مدي الاربعين عاما الماضية. بداية من مظاهرات الخبز ٧٧ وحتي وقفات القضاة ٢٠٠٦ , ولكن هل هناك من يختلف علي انه لولا ' التحرير ' تتويجا لكان بلطجية النظام قد حالوا بيننا وبين الوصول الي صناديق الاقتراع , كما كان يحدث دائما. ولكان الموتي قد صوتوا بدلا منا , ولما مارس المصريون في الخارج حقهم في المواطنة؟
ثانيا : ان الذي قاطع , و الذي ذهب الي صناديق الاقتراع ' ايا كان اختياره ' , كلاهما يبحث عن هدف واحد : الانتقال الي دولة ديموقراطية حديثة , وانهاء المرحلة الا نتقالية بكل عثراتها وآلامها في اسرع وقت ممكن , ليعود الجيش ' جيشنا ' معززا مكرما الي ثكناته ودوره الصحيح , ومهابته التي نحرص عليها , و التي كانت بحق اكثر المتضررين من اطالة هذه الفترة الانتقالية ومن ارتباكاتها.
ثالثا : ان المخاوف التي ثارت هنا او راجت هناك , علي صفحات الصحف وصفحات الانترنت وشاشات الفضائيات , بل وحتي نكات المصريين اللاذعة , بعضها مبالغ فيه روجته نخبة لديها حساسياتها او حساباتها. الا ان بعضها حقيقي بلا شك , له ما يبرره في تصريحات هنا وممارسات هناك. وان مهمة ازالة هذه المخاوف تقع في الدرجة الاولي علي الطرف الاكبر حجما ونفوذا وتاريخا. ان فعل , فسيصب هذا في مصلحته ومصلحة الوطن. وان غفل استقواء او اكتفاء فسيدفع , وندفع جميعا الثمن غاليا.
رابعا : انه , وان كانت هناك مشكلة كبري في ان نسمع من يقول في اقتراع ' سياسي ' : ان التصويت لهذا او ذاك , هو من فروض الدين او سننه. فالمشكلة الاكبر ان هناك من يستجيب لذلك. وهذا هو التحدي الاكبر امامنا جميعا. اذ علينا ان ننتبه قبل فوات الاوان ان هذا اول طريق الي مجتمع ' يفرز علي الهوية ' , والي انقسام سيتجاوز مسالة العقيدة الي ما وراءها , والي استقطاب خطر سياخذنا الي حيث لا نطيق.
خامسا : ان الذين ازعجتهم مشاهد هنا او مشاهد هناك , ارجوهم ان يتحملوا وان يدركوا اننا ' نتعلم ' الديموقراطية. وان هذه خطوات اولي. ولا خطوات اولي بل عثرة هنا وجرح هناك.
سادسا : علي الجميع . من فاز بالمقاعد ومن عز عليه لسبب او آخر الوصول اليها , ان يدرك ان هذه الانتخابات , سيتلوها اخري. و العبرة ليست بان تجلس علي الكرسي , فحسابات الحقل لم تكن ابدا كحسابات البيدر.
سابعا : ان المشهد علي روعته , وبغض النظر عما شابه من هنات اجرائية , ليس ابدا نهاية الطريق. بل ربما كان بدايته. مخطئ من يخلد الي شعور زائف بانه الآن قد حققت يناير اهدافها. او انه الآن قد حقق هو اهدافه. فالمعركة القادمة اصعب و الطريق المتبقي اكثر وعورة.
ثامنا : بغض النظر عن ضرورة المحاسبة عن كل الانتهاكات السابقة , و الانتباه لاية ' نوايا لاحقة ' , كان في تفاصيل تامين المشهد الانتخابي عودة لصورة الجيش التي نحب , و التي يجب ان تكون.
تبقي حقيقة انه بحسابات التاريخ لن تكون نتيجة هذه الانتخابات هي الاهم. وانما الاهم هو ان هذا الشعب لن يسمح بتزييف ارادته مرة اخري. اكرر : ان هذا الشعب لن يسمح بتزييف ارادته مرة اخري. وانه اذا كان الشعب ' البسيط ' لن يسمح بتزييف ارادته مرة اخري , ينبغي علينا نحن ' اصحاب القلم ' الا نسمح بتزييف تاريخه.
وتبقي حقيقة اننا نحتاج حتما الي ' تدقيق المصطلحات ' او ' تحريرها ' كما يقول علماء الاصول. اذ لا اعرف من الذي قال بان الليبرالية تقابل الاسلامية ' في معاجم اللغة او قواميس السياسة ' ' ! ' كما لا اعرف من الذي ادعي ان الاسلاميين فريق ' سياسي ' واحد؟! او التجارب واحدة. او ان الخميني هو اردوجان او البشير او الملا عمر. او ان باكستان ' الاسلامية ' التي تسمح بان تقودها امراة , هي السعودية ' الاسلامية ' التي لا تسمح للمراة بان تقود سيارة.
اتمني ان يدرك الجميع ان المعركة السياسية القادمة , لا ينبغي ان تحكمها ثارات الماضي , ولا نكاية طرف في آخر.
اتمني علي الاخوان ان ينتقل خطابهم الاعلامي الي قرن جديد , وان يستمعوا جيدا الي حمدين صباحي الناصري ورفيقهم في التحالف الانتخابي , وان يستمعوا جيدا الي عبدالمنعم ابو الفتوح رفيق مسيرتهم وسجونهم ومعتقلاتهم. وان يستمعوا جيدا الي حمدين صباحي الناصري ' وشريكهم ' في التحالف الانتخابي , وان يستمعوا جيدا الي البرادعي الذي يوما استتروا خلف مكانته , فحشدوا لجمع مليون توقيع تاييدا له.
اتمني علي السلفيين ان يدركوا ان لا ليبرالية اكثر تعبيرا او تجسيدا من قوله تعالي : ' -- فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ' ' الكهف : ٢٩ '
اتمني علي الليبراليين ان يدركوا ان الليبرالية الحقة تعني الاحتكام , بلا شروط الي صناديق الاقتراع. واتمني علي اليساريين ان يكونوا اوفياء الي معتقداتهم التي تقول بان الجماهير هي السيد وهي صاحبة القرار. بلا تعال , ولا انكار , ايا ما كان هذا القرار.
واتمني علي كل من ينظر الي شباب التحرير مخطِّئا ومتعاليا ومستنكرا ان يتذكر قول الامام علي كرم الله وجهه : ' انا و الله لا نساوي بَينَ مَنْ طَلَبَ الحقَ فاخطاه وبينََ منْ طلبَ الباطلَ فاصابه '
ثم -- علينا جميعا ان ندرك ان المعركة ' الحقيقية ' القادمة تتلخص في نقطتين :
١ كيف نتخذ من السبل ما يضمن عدم اعادة انتاج النظام القديم , الذي افقر مصر وجرفها سياسة , وثقافة , ووعيا -- وربما لا اكون مبالغا ان قلت ونخبة سياسية ودينية.
٢ كيف نرسم طريقا ' متفقا عليه ' اضعها بين قوسين لبناء مصر التي نريد . بلدا حديثا معاصرا يليق بما اعطته له الجغرافيا , وبما منحه له التاريخ.
_ _ _
انتهي ' النص ' .
وبعد -- فهذا كلام قديم. وهذه امنيات لم تتحقق. وواقعيا , لن يمكننا تدارك ما فات. كما لن يمكننا تجميل جرائمنا. ولكن الاعتراف بالحق فضيلة. عسي ان نفيق من غينا فنتذكر وسط معاركنا التافهة الصغيرة شبابا طاهرا نقيا خرج قبل اكثر من عامين يبحث لنا عن طريق المستقبل. ' -- فَمِنْهُم مَّن قَضَي نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ' . بداية بمصطفي رجب ' السويسي ' ' ٢٥ يناير ٢٠١١ ' , وليس نهاية للاسف بابن طنطا البار محمد الجندي ' ٢٨ يناير ٢٠١٣ ' . مرورا بمينا دانيال وعماد عفت وطالب الطب علاء عبدالهادي ومدرس الفنون الجميلة زياد بكير -- . و غيرهم كثيرون سنخجل حتما ان ننظر في وجوههم يوم القيامة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق