سواء صح استطلاع بي بي سي أو لا فان على جبهة الانقاذ وقف عنفها ضد مصر معتز بالله عبد الفتاح



اتذكر ذات مرة انني كنت اعبُر احد الشوارع الكبري , وفجاة سمعت صوت استغاثة : ' الحقوني ' , الصوت كان خافتا , ثم تكرر الصوت بوتيرة اعلي , فلاحظت ان فتاة محاطة بعدد من الشباب . فما كان مني الا ان تحركت في اتجاه الصوت. و الغريب انني في طريقي للفتاة كان هناك عدة اشخاص , منهم امراة , تقول : ' حرام عليكم سيبوها ' , وهنا بدا الوضع ملتبسا , لماذا لا يتحرك الناس لنجدتها بدلا من التعامل مع الامر وكان شيئا لا يمكن فعله؟ المهم زعقت باعلي صوتي بدون التفكير كثيرا , بما شجع آخرين علي ان يتحركوا في اتجاه الفتاة , وهنا تحرك الشباب الذين كانوا يتحرشون بالفتاة بعيدا عنها.

بغض النظر عن التفاصيل , لقد كانت الواقعة بتفاصيلها صدمة لي , وحين سالت اصدقائي عن هذه الواقعة , فكان الكلام عن انها ظاهرة اصبحت منتشرة بشدة , ولشخص عاش خارج مصر لفترة , هذه مفاجاة غير سارة بالمرة , لان هذا يعني اننا تدهورنا اخلاقيا للدرجة التي لم يعد يكفي فيها ان تكون الثورة سياسية , بل ربما هي الجزء الاسهل , و الجزء الاصعب ان اخلاقنا هذه لن ينفع معها الوقوف في الميدان او في الشوارع تحت شعار : ' يسقط يسقط ' , هذا عنف من المصريين ضد مصر. تذكرت المشهد المقابل بانتهاك عدد من رجال الشرطة كرامة المواطن الذي قاموا بسحله عاريا بلا ادني رحمة او التزام بقواعد القانون او اعتبار لان الثورة قامت ضد انتهاكات حقوق الانسان , ثم نفاجا بان شهداء آخرين سقطوا بعد تعذيبهم في الاحتجاجات الاخيرة , بما يعني ان النزعة نحو العنف وانتهاك حقوق الانسان لا تزال موجودة في جهاز الشرطة لكنها كانت بحاجة لمن يطلق لها العنان , ويبدو ان وزير الداخلية الجديد قرر ان يطلقها , وهو امر خطير للغاية وله تداعيات سلبية ستؤدي حتما الي مواجهات دامية , وحين يتحدث العقلاء عن استخدام الشرطة للعنف , فالحديث عن المعايير الدولية التي اقرتها الاتفاقات الدولية التي تكون في اقصاها رش المتظاهرين بالمياه , او القاء غازات مسيلة للدموع بكميات قليلة تكفي لرد المتظاهرين عن الاشتباك المباشر مع قوات الشرطة , وليس كاداة لخنقهم , ولا انسي خبرتي الشخصية مع القنابل المسيلة للدموع , لان لها آثارا سلبية علي الجهاز التنفسي لفترة طويلة للغاية , بما يعني انه حتي هذا البديل لا بد ان يستخدم وفقا للمعايير الانسانية المتعارف عليها دوليا حتي لا يتحول الي اداة للتعذيب. اكرر : لا بد من وقف عنف المصريين ضد مصر. ولكن لا يمكن تجاهل ان هناك من يري ان من حقه ان يلقي ' المولوتوف ' علي افراد الشرطة او علي المباني الحكومية , وكان هذا يدخل في اطار حقوق الانسان المقررة له , وايا كانت الدوافع و المبررات , فهذه نزعة نحو العنف تنال من ' سلمية الثورة ' التي كنا نفاخر بها , ومن يتصور ان العنف الجاري حاليا يمكن مقارنته بما كان يحدث في ايام الثورة الاولي من حيث نبل الهدف ونبل الاداة , فهو قطعا قد اخطا القياس , في ايام الثورة , كان الثائرون يريدون الوصول الي ميدان التحرير للاعتصام فيه سلميا , و الشرطة كانت تطلق عليهم كل اسلحتها وصولا للرصاص الحي , اما اليوم , فالاعتصام في ميدان التحرير اصبح هو الاصل , ومن السهل للغاية ادانة اي فعل اجرامي ضد حقوق الانسان حين يكون الشخص المنتهك حقوقه سلميا يعبر عن رايه باللسان فقط , ولكن من الصعب للغاية الدفاع عن حق شخص يحمل زجاجة ' مولوتوف ' يلقيها علي مبانٍ حكومية او قوات الشرطة. وهناك مسئولية سياسية علي ' الرئاسة ' بوضع حد لعنف الشرطة واجبارها علي احترام الدستور و القانون , وهناك مسئولية سياسية علي المعارضة في التفرقة بين حق الاعتراض و التظاهر السلمي , وبين الدائرة الخبيثة للعنف و العنف المضاد الذي ينال من الجميع , ولا اعتقد ان المعارضة تكسب ارضا جديدة مما يحدث الآن , سواء كان صحيحا ام لا , ما جاء في استطلاع ال ' بي بي سي ' عن ان اكثر من ثمانين في المائة من المصريين يعترضون علي ' جبهة الانقاذ ' . لا بد من وقف عنف المصريين ضد مصر.

ليست هناك تعليقات :