سحل المواطنين يبدو انه الاسلوب المفضل لقوات الامن مهما اختلفت الانظمة و السياسات , فمن مبارك الي المجلس العسكري الي حكم الاخوان يتكرر نفس المشهد , ففي ظل حكم الاخوان بدا السحل و الضرب شيئا بسيطا وغير مُجْدٍ من وجهة نظرهم ونظر وزارة داخليتهم , فكان التطور الطبيعي لممارسة العنف هو ' تعرية المصريين ' في الشوارع وسحلهم مجرَّدين من ملابسهم لكسر كبريائهم الشامخة التي يتصدون بها لآلات القمع و الاستبداد.
مشهد سحل المواطن حمادة المصري مجردا من ملابسه وضربه بقسوة في محيط قصر الاتحادية مساء اول من امس الجمعة , كان هو الحدث الابرز طوال الساعات الماضية , ولا يزال صدي الغضب من تلك الفعلة يتصاعد , ولا يعلم احدا ماذا سيكون رد الغاضبين علي هذا الموقف , خارج اطار النقد و الادانة و التنديد و الاستنكار , علي مواقع التواصل الاجتماعي , حتي ان اعتذار وزارة الداخلية في بيان رسمي لها عقب وقوع الحدث لم يعُد يشفي صدور الغاضبين من تلك الفعلة.
المشهد اعاد الي الاذهان مباشرة الطرق الوحشية التي كانت تتعامل بها قوات الشرطة مع المواطنين قبل الثورة , وبعد 28 يناير لم يكن احد يتوقع تكرار تلك المواقف , الا انه من الواضح ان التعليمات التي وصلت الي افراد الشرطة المكلفين بحماية قصر الاتحادية تبيح لهم التعامل مع المتظاهرين باي شكل يرونه ولو كان بالشكل الذي حدث لحمادة المصري , خصوصا ان تلك الواقعة جاءت عقب وصول وزير الداخلية الي محيط الاشتباكات بساعات قليلة.
ولاننا تحت دستور ' الاخوان ' , فان المادة ' 36 ' من هذا الدستور تقول ' كل من يُقبَض عليه , او يُحبَس , او تقيَّد حريته باي قيد , تجب معاملته بما يحفظ كرامته , ولا يجوز تعذيبه , ولا ترهيبه , ولا اكراهه , ولا ايذاؤه بدنيا او معنويا , ولا يكون حجزه ولا حبسه الا في اماكن لائقة انسانيا وصحيا , وخاضعة للاشراف القضائي , ومخالفة شيء من ذلك جريمة يُعاقَب مرتكبها وفقا للقانون , وكل قول صدر تحت وطاة اي مما تقدم , او التهديد بشيء منه , يُهدَر ولا يعوَّل عليه ' .
بداية الغضب كانت من المتظاهرين امام القصر , الذين اجبرتهم قوات الشرطة علي التراجع بامطار من قنابل الغاز حتي تنفرد بمن يقع تحت قبضتها , فاشتعل المتظاهرون غضبا علي تلك الفعلة التي تمت علي مراي ومسمع منهم.
عادل سعيد , مبرمج حاسبات واحد سكان منطقة مصر الجديدة , قال انه لم يكن يصدق ما رآه بعينيه من وحشية وقسوة افراد الامن المركزي مع المواطن الذي سُحل , مشيرا الي انه بعد هذا الموقف قرر العودة الي منزله , وما ان شاهد فيديو سحل هذا المواطن وقد انتشر علي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل اكثر وضوحا حتي عاد الي محيط القصر مرة اخري بعد ان قرر الاشتباك مع قوات الامن المركزي , مشيرا الي انه لم يكن يوما قد رفع حجرا في وجه مواطن , الا ان تلك المشاهد التي رآها تجبر اي آدمي علي التحرك بردّ فعل مساوٍ لها , حسب قوله.
و قد قالت فتحية عطية عميرة , زوجة حمادة صابر , 48 سنة , ان زوجي يعمل مبيض محارة ليس له دعوة بالمظاهرات و لم يلق زجاجات او حجارة علي رجال الشرطة او قصر الاتحادية , و كان يسير بالصدفة و ان قوات الامن القت القبض عليه دون ذنب.
واضافت زوجة المجني عليه ان زوجها رفض النزول من مدرعة الشرطة لاعتراضه علي القبض عليه , وعندما رفض تم الاعتداء عليه بوحشية امام الجميع وسحله من قبل قوات الامن امام قصر الاتحادية .
واضافت ان زوجها بصحة جيدة وانها تلقت اتصالا هاتفيا من مساعد وزير الداخلية لحقوق الانسان للاطمئنان علي زوجها , وهناك قيادات بالوزارة حضرت لزيارته بالمستشفي , وقالت ان قوات الشرطة هي من قامت بنقل زوجها الي مستشفي الشرطة بمدينة نصر عقب سحله وتجريده من ملابسه.
العناية الالهية وحدها هي التي انقذت حمادة المصري من الموت , بعد ان سحله جنود الامن المركزي في اشتباكات قصر الاتحادية , دون ادني شعور بالانسانية. صعب الهلالي شقيق حمادة اكد ان شقيقه مريض بالصدر , وكاد يموت من الضرب المبرح و الاعتداء المتواصل من جنود الامن الذين يحمون الرئيس وجماعته. صعب قال ان العناية الالهية فقط هي التي انقذته من الموت , واضاف ' هل يُعقَل ان يقوم كل هذا العدد من رجال الشرطة الذين بلغوا 25 مجندا تقريبا بضرب رجل اعزل من اي سلاح؟! .
و اكد انه مصاب بذهول من هول ما رآه في المشهد المخزي الذي اذاعته كل قنوات الفضائيات , من تجريده من ملابسه وسحله بطريقة غير انسانية , وقال ' هذا المنظر خطف عقول العائلة الذين هُرعوا الي منطقة قصر الاتحادية للاطمئنان عليه ' , مؤكدا انه حاول الاتصال بمساعد وزير الداخلية , ولكن دون جدوي. شقيق المصري قال ان كل ما فعلته ' الداخلية ' هو جعل احد افراد الشرطة يتصل بهم ويُسمِعهم صوت حمادة , وكل ما قاله لهم في الاتصال بصوت متقطع ' انا كويس الحمد لله ' .
واوضح شقيق الضحية ان اخاه المجني عليه يبلغ من العمر 48 عاما , ويقيم في منطقة المطرية , ويعاني من مشكلات صحية في الصدر , وكان مشاركا في ثورة 25 يناير من بدايتها , ويؤمن بسلمية التظاهر الذي هو حق مكفول للجميع في كل دساتير العالم , وان له ثلاثة ابناء.
واضاف ان زوجة اخيه واولاده كانوا برفقته وقت الحادثة , واوضح ان زوجته تلازمه الآن في المستشفي , وان رجال الشرطة سحبوا منها تليفونها المحمول ليمنعوا اتصالها بمن هم خارج المستشفي.
بينما اكد اللواء هاني عبد اللطيف , ان اللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية , اصدر قرارا باحالة واقعة التعدي علي احد المتظاهرين وسحله من قبل رجال الامن المركزي الي قطاع التفتيش بالوزارة للتحقيق في الواقعة , واستدعاء مرتكبيها و التحقيق الفوري معهم.
واوضح عبد اللطيف , انه سوف يتم اجراء تحقيقات عاجلة في الواقعة وسيتم الكشف عن نتائجها. بينما قال مصدر امني بمديرية امن القاهرة , ان قوات الامن الموجودة بمحيط قصر الاتحادية , القت مساء الجمعة القبض علي 10 اشخاص تسلق بعضهم سور القصر , وآخرين لحيازتهم مولوتوفا واسلحة بيضاء , وكذلك لتعديهم علي القوات بالرشق بالحجارة , في اثناء تظاهرهم ب ' جمعة الخلاص ' .
وفي السياق ذاته , عاينت نيابة مصر الجديدة موقع الاشتباكات وساحة قصر الاتحادية , وامر ابراهيم صالح رئيس النيابة بارسال جثة المجني عليه محمد حسين قرني , 23 سنة , الي الطب الشرعي لتشريحها وبيان سبب الوفاة , وكشفت المعاينة عن وجود فوارغ خرطوش , وبقايا زجاجات مولوتوف وقنابل غاز , كما عاينت النيابة خيام المعتصمين امام قصر الاتحادية , واشجار القصر التي تم حرقها , و التلفيات بالبوابة رقم 3 للقصر.
حالة من الحزن سيطرت علي اقارب واصدقاء المواطن المسحول حمادة صابر , الذي قامت قوات الامن المركزي بتعريته وسحله في محيط قصر الاتحادية , اول من امس , حيث كان الغضب سيد الموقف داخل منزله.
جيرانه شهدوا بانه خَلُوق ومحترم , ولا يهتم الا بلقمة العيش التي يوفرها بالكاد لابنائه الثلاثة من عمله بالمحارة. يقطن في غرفة واحدة بحمام مشترك في منطقة ابو سيد بالمطرية , ويسعي جاهدا لصد هجمات الزمن عن عائلته الصغيرة وحماية كرامتهم .
ابنته رندا ' 17 عاما ' طالبة في الصف الثالث الاعدادي , رات و الدها وهو يتم تعريته وضربه , فصرخت وبكت , قائلة ' سمعت بابا بيقول للشرطة انا ماليش دعوة بحاجة انا بس كنت باتفرج , وماما جريت وراه وقالت مش هسيبه ' . واضافت رندا ان و الدها حاول ان يستر نفسه بالملابس ولكنهم ظلوا يضربونه بوحشية.
اما شقيقتها رانيا ' 19 عاما ' وهي الحاصلة علي دبلوم , فقالت ان و الدها طلب منها خمسة جنيهات حتي يذهب الي قصر الاتحادية , وهي كانت قد حصلت عليها من خطيبها حتي يتوجه بها الي قصر الاتحادية , فطلبت منه ان تذهب هي واختها معه فوافق الاب واتجهت الام معهم , واكدت انها في اثناء حدوث الاشتباكات حاولت الفرار هي واسرتها ولكنها فوجئت بقوات الامن المركزي تقبض علي و الدها وتسحبه من ملابسه حتي اصبح عاريا , وانها ظلت تصرخ هي واختها ولكن شباب المتظاهرين حاولوا احتجازهم حتي لا ينالهم اذي من قوات الامن المركزي. رانيا اكدت انها كانت مخطوبة لاحد الشباب بالمنطقة وبمجرد ان راي فيديو تعرية و الدها , طلب منها ان ترد اليه ' الشبكة ' .
اما سحر السيد عبد الرحمن , التي تملك محلا صغيرا اسفل منزل حمادة , فاكدت انه رجل بسيط , وليس له علاقة باي مشكلات , ودائما ما ياخذ احتياجات منزله منها دون ان يدفع الحساب , وينتظر الي حين ان ياتي له عمل , ثم يقوم بتسديد الديون المتراكمة عليه.
متولي السيد , احد جيران حمادة ومن شباب المطرية , اكد ان الاهالي لن يتركوا حق حمادة ولن يتنازلوا عن حقه , وانه سوف يتم حصار قسم شرطة المطرية , وسيتم تجريد المامور من ملابسه مثلما قامت الشرطة بتجريد حمادة من ملابسه.
قال صعب الهلالي شقيق المجني عليه حماده صابر : ' اجتمعت مع اخي لمعرفه اسباب الواقعه التي حدثت له الا اني تفاجئت بقوله لي : ان المتظاهرين اختلط عليهم الامر لانه كان يرتدي جاكت مشابة للشرطة فالمتظاهرين ظنوا بانه رجل من افراد الشرطة فاخذوا يلقونة ضربا مبرحا الي جانب ضربه بالخرطوش واحداث كدمات به حتي جاءت الشرطة لتخلصه من المتظاهرين ' , مضيفا عندما اعترضت علي حديثه قال لي ' زي مانا بقولك انا راجل متظاهر سلمي وكلنا فدا الوطن واحنا مش عايزين نضر وطنا وانا مش ضد الاخوان ' , مضيفا ' بعد ماحدث فوجئت باني في مستشفي الشرطة وبجواري دكاترة من الخارج ومستشارين يباشرون علي رعايتي ويقومون برعايه كامله ' .
و عن حالتة الصحية , قال الهلالي ان حالة حماده صابر جيدة الي جانب وجود بعض السحجات في وجهه وكدمات بكامل الجسم
واشار الهلالي الي انه لايعلم اين الحقيقة , ولكنه اذا احدا قام بايذائنا سنرد له الاذي وسنطالب بحقوقنا , مشيرا الي ان حالة حماده صابر الاجتماعيه سيئه للغاية وظلمة فهو في 48 من عمرة ويعمل عامل محارة ولدية بنتان لم يتزوجوا بعد قائلا : ' حماده كان يتظاهر منذ ثورة 25 يناير ' .
وعن حقيقه ما اذا كان احد يلقن زوجة حماده الكلام عند قيامها بمداخله هاتفيه , قال الهلالي بالفعل كان هناك احد من رجال الشرطة بجوارها لانها كانت اجرت المداخله دون ان تري زوجها مسبقا الا صباح امس السبت
واوضح الهلالي ان زوجة حماده قامت بشكر الداخلية لانه من وجهه نظره ساعدوه قائلا : ' احنا مش بنخاف من الشرطة احنا بنخاف علي بلدنا ' .
وقال المحامي بالاستئناف عبد الحميد عبد الجيد ' طلبنا حضور التحقيق مع حماده صابر الذي اجري في المستشفي لاخذ اقوالة ولكن ذلك كان بدون جدوي لانه لم يتاح الفرصه لنا ومن ثم لم نعلم اي شئ جري في تحقيق النيابه ' , مشيرا الي ان وكيل النيابه كان بمفردة داخل الغرفه.
وعن وسائل التصعيد , لفت عبد الجيد الي انه سوف يتم الانتظار حتي نعلم اولا نتيجة تحقيق النيابة ومن بعدها سندخل في القضيه في الوقت المناسب.
واضاف عبد الجيد , انه تقدم بطلب للنائب العام صباح اليوم الاحد لانتداب قاضي تحقيق ونقله من مستشفي الشرطة حتي يتم التحقيق بحيادية اكثر , مشيرا الي ان حماده صابر لايتمتع بكامل حريته في الادلاء باقواله وهو الحق الذي يكفله له القانون و الدستور وهو بمستشفي الشرطة الي جانب انه يتلقي الرعايه الكامله وخدمات لا يحلم بها مواطن مثلة , مؤكدا علي انه يوجد حوله ضغوط تؤثر عليه وعلي اقواله.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق