كتبت من قبل سلسلة من المقالات تتناول جريمة ' التحرش الجنسي الجماعي ' ابان عيدي الفطر و الاضحي متخيلا وقتها ان هذه الفعلة الشنعاء انما ترتفع وتيرتها في موسم الاعياد دون غيره . وادركت كم كنت مخطئا حينما باغتتني اخبار التحرش المتواترة من ميدان التحرير علي مدار الاسبوع المنقضي.
واكرر هنا انني دائما ما كنت استشعر اشمئزازا لا يُوصفُ كلما وقعت عيناي علي ذكر ' التحرش الجنسي ' . وكنت علي يقينٍ تام ان ' المتحرش ' شخصٌ قد انتكست فطرته الي حدٍ يستوجب اعادة تاهيله ' انسانيا ' قبل ما يستوعبه المجتمع في صفوفه مرة اخري -- غير ان هذا الاشمئزاز انقلب ذهولا عاتيا لمّا تعدت هذه الجريمة حاجز الانحطاط السلوكي الفردي لاسمع عن ' التحرش الجنسي الجماعي ' . ثم انقلب الذهول بدوره فاصبح مرارة لا حد َّلها حينما رايت صور بعض ' المتحرشين ' التي نشرتها الصحف تكشف عن هوية صبيةٍ بعضهم مراهق وبعضهم لم يبلغ الحلم -- ثم تحولت المرارة غضبا عارما لمَّا رايت ' مجتمعا ' اما غافلا لا يُحرك ساكنا . او عاجزا لا يردع مجرما . وكلاهما يكفيان لوصف خللٍ واضحٍ في منظومة القيم وشرخٍ ظاهرٍ في بنيان الهوية المصرية . فكيف بمن تلاشت من قلبه آخر امارات النخوة و الرجولة فيشجع المتحرش علي فعلته بقوله ' يستاهلوا ' ؟!!
اتفهم تماما ان الحل لا يمكن ان يقدم في مقالٍ او حتي سلسلة من المقالات . اذ ان حجم المشكلة اكبر من ان يدلي فيه عقلٌ واحدٌ بدلوه لكنه الجهد المتكامل للدعاة و العلماء و التربويين و الكتاب و الاعلاميين و القانونيين الذي سيصل بنا حتما الي بر الامان . بل وانا ايضا شديد الاقتناع ان التحليل العميق لدوافع هذا السلوك الاجرامي سيساعدنا بشكلٍ تلقائي علي ابتكار الحلول قصيرة وبعيدة المدي علي السواء -- لكن الواجب الشرعي و المنطقي يقتضي ان نسعي فورا للاخذ علي يد المعتدي لوقف ' المفسدة ' ابتداء . لانه وبغض النظر عن الحالة النفسية التي سيطرت علي المتحرش وزينت له قبح فعله . فاننا امام جريمة مكتملة الاركان تتكرر بشكلٍ يومي في شوارعنا ومواصلاتنا العامة وجامعاتنا وليس فقط في ميدان التحرير . لن يفلح في مواجهتها قلم مرتعش . او انفة من الاعتراف بالتقصير او دورانٌ في فلك تحليلٍ سطحي.
وفي الاغلب ستكتمل منظومة القضاء علي هذه الجريمة حينما يجتمع داعية ٍ نابه ٌ يوجه . وتواجد ٍامني يُكثف . ويقظة ٍشعبية تتقد . وقانون ٍصارم يردع . واعلامٍ شريف يوعي.
اغلب المتحرشين اما مراهق او لم يبلغ الحلم بعد . قصَّرت بيوتهم عن تنشئتهم علي خوف الله واتقاء سخطه . يحتاجون من يعلمهم قول النبي صلي الله عليه وسلم ' لان يطعن في راس احدكم بمخيط من حديد خير له من ان يمس امراة لا تحل له ' ليستشعروا فداحة الجرم الذي يعتبره اكثرهم اكتمال رجولةٍ . يحتاجون من يشعرهم ان الله سبحانه حليم ٌ يصبر علي الاساءة لكنه ليس بغافلٍ عمّا يعمل الظالمون.
ما وجدوا من يتلقفهم من علي النواصي و المنتديات يبصرهم ان الله سبحانه قد حرم الاعراض كما حرم الدماء و الاموال , من يدفعهم الي التخوف من وقوع الجرم نفسه مع اقرب الناس لهم . كما فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم مع شابٍ طلب الاذن بالزنا : ' اترضاه لامك . اترضاه لاختك؟ -- -- -- .الحديث ' فلعل ذلك ان يحدث الاثر المطلوب في نفس شابٍ تحلل من كل قيود الحياء بتخويفه من قانون ' افعل ما شئت كما تدين تدان ' .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق