ان تحريك المعاشات بنسبة عشرين في المائة لا يساوي وزن خردلة امام وقائع الرحيل الدامي للشاب محمد الجندي بالطريقة ذاتها التي كانت تنتهي بها حياة الشباب الحالم بالتغيير ايام مبارك و المجلس العسكري , و الاجدر بك سيادة الرئيس ان تهتم بما يحفظ حياة الناس قبل ان تفكر في تحسين المعيشة , وهذا لن يتاتي الا من خلال اقتحام حقيقي وجاد يحيل ماكينة نظام مبارك الي الاستيداع , ويحقق اهداف الثورة التي حولتك من سجين الي رئيس , واظنك تعلم انها كانت ثورة الكرامة الانسانية قبل ان تكون انتفاضة لقمة العيش.
لقد كان اول هتاف جري علي لسان الثورة هو ' تغيير حرية عدالة اجتماعية ' ولم يكن ' العيش ' اول مفرداتها كما يظن البعض , وليصحح لي المعلومة الذين طلعوا الي الميدان يوم ٢٥ يناير ٢.١١ , وبالتالي فقد هتف المصريون بصدورهم العارية من اجل التغيير , وهو ما لم يشعر به الناس مع تعاقب الوقائع المقبضة للرحيل تعذيبا وسحلا وصعقا بالكهرباء.
وهاهي التقارير الطبية تنطق بالماساة وتعلن ان الجندي قتل كما قتلوا خالد سعيد وسيد بلال وقائمة طويلة من شهداء الآلة الامنية العقيمة , ليصحو الجميع علي كابوس مفزع حذرت منه في هذا المكان في اول نوفمبر الماضي تحت عنوان ' شرطة مرسي __ شرطة مبارك ' وقلت فيه :
' يبدو ان البعض نسي بسرعة التاريخ الذي اندلعت فيه الثورة ومدلولاته الاجتماعية و السياسية , وحتي لا ننسي , فقد انطلقت ثورة الكرامة الانسانية يوم ٢٥ يناير , ذلك اليوم الذي كان يجري الاحتفال فيه كل عام بعيد الشرطة.
ان دلالة اختيار ذلك اليوم للثورة لا ينبغي ان تغيب ابدا عن عقل كل حصيف في هذا البلد , ذلك ان المصريين ثاروا بعد ان ضجوا بانتهاك كرامتهم وآدميتهم علي يد شرطة حسني مبارك , بحيث يمكن القول انها كانت ثورة علي الدولة البوليسية القمعية الباطشة '
وربما يقول البعض ان الجندي وغيره دفعوا حياتهم ثمنا لمغامرات جنرالات فشلوا في السياسة فقرروا ان يعوضوا فشلهم بممارسة لعبة العنف و الدم , وهذا صحيح علي وجه من الوجوه , غير ان الثابت ان المسئولية الاكبر عن هذا التصلب في شرايين السياسة تقع علي من بيده السلطة ويتحملها الممسك بعجلة القيادة.
والثابت ايضا ان بارونات الشحن و الكراهية ساهموا في تقطيع اوصال الممارسة السياسية الجادة , ولجاوا الي اشعال النار في كل دعوة للعقل وللحوار الجاد , وكرسوا كل طاقتهم لايجاد مراعي القتل و العنف , هربا من لحظة انتخابات قادمة , لكن هذا لا يعفي السلطة من تحمل القدر الاكبر من المسئولية.
لقد كان حريا بالسلطة الا تستسلم لوهم قسمة مصر علي اثنين , قسم لها , و الآخر لجبهة اولئك الذين استنفدوا عدد مرات الرسوب , وكان جديرا بها ان تصل الي جمهور الثورة الحقيقي وتتواصل معه مباشرة دون حاجة الي وسطاء وسماسرة , و الطريق سهل وواضح : تغيير حقيقي وتطهير جاد وموضوعي لتراث الاستبداد و البطش.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق