بين حوكمة و اصلاح الداخلية معتز بالله عبد الفتاح



اما ' الحوكمة ' فهي كلمة ' بايخة ' في مبناها مهمة في معناها , تتضمن وضع قواعد عمل واسس مراقبة داخلية ومحاسبة خارجية لضمان ان المؤسسة تعمل لخدمة المتاثرين بها وليس لخدمة القائمين عليها. وبالتالي تلتزم بقواعد للسلوك . بحيث يكون عائد عملها نافعا لكل المساهمين فيها , بدءا من اصغرهم. وفي حالة وزارة الداخلية , فان القائمين عليها هم ضباطها وجنودها , و المساهمين فيها هم كل المصريين ممن يدفعون الضرائب.

طيب , هذا عن الحوكمة -- ماذا عن وزارة الداخلية؟ وزارة الداخلية هي الجهة المسئولة عن تنفيذ القانون . لذا يسمونها ' law enforcement agency ' , هي ليست صانعة للقانون وليست فوق القانون وليست القانون , هي من ينفذ القانون , و الاصل انها تفعل ذلك منفردة لانها هي وحدها من تملك الحق في احتكار العنف. وليس من حق اي جهة اخري ان تحمل سلاحا او تكوّن ميليشيات عسكرية او شبه عسكرية تحت اي اسم , بما في ذلك الفكرة غير المقبولة لجماعات تدعي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر. ولن يمكن وقف كل هذا الجدل الا بحوكمة وزارة الداخلية.

اذن , وفقا للقانون , فان الضابط يكون مطالبا وهو يطبق القانون بان يكون عالما باي بند من اي مادة من مواد القانون وهو يفعل ما يفعل. وعليه , فلو انه لا يوجد في القانون ما يسمح له بضرب او سحل او سب او اهانة اي مواطن , واتي ايا من هذه السلوكيات , فهو خارج عن القانون ويتحول من شخص قائم علي تنفيذ القانون الي شخص خارج علي القانون. ويمكن للمواطن تقديم بلاغ ضده للنيابة العامة للتحقيق معه باعتباره خرج عن القانون. و الحقيقة ان ضابط الشرطة حين يقبض علي اي من المواطنين , ويقدمه للنيابة العامة , فهو يحرر له وثيقة يثبت فيها ان هذا المواطن قد خرج علي القانون.

هذا ما ينبغي ان يكون , ماذا عمّا هو كائن؟

ما هو كائن اننا مجتمع بلا بوصلة اخلاقية ' تستشعر الرحمة ' او مهنية ' تلتزم القانون ' او عقلانية ' تتصرف بالحكمة ' . ولا يمكن اصلاح احوال المجتمع الا باصلاح اوضاع الدولة اولا , ولا يمكن اصلاح الدولة دون ارادة صادقة وادارة واعية لعملية الاصلاح هذه. ولهذا يكون الحديث عن ' حوكمة وزارة الداخلية ' وهو ما يجرني لثلاثة مصطلحات شائعة في عالم حوكمة المؤسسات : الاصلاح ' reform ' , واعادة الهيكلة ' restrict. re ' , واعادة البناء ' rebuild ' . وهي اشبه بالاطباء حين يختارون بين العلاج بالادوية و التدخل الجراحي للاستئصال او التدخل الجراحي لزرع جزء من جسم الانسان. وفي دول ما بعد الحروب الاهلية و الثورات , توجد جهود دولية , بعضها تقوم به الامم المتحدة , من اجل بناء شرطة ديمقراطية ' Police Democratization ' اي تاهل الشرطة لعصر الديمقراطية من حيث احترامها لحقوق الانسان , تعاملها مع الجمهور , الحياد المهني تجاه العملية السياسية , الرقابة الداخلية و الخضوع للمساءلة الخارجية.

كي يحدث كل هذا , فان جهودا منظمة لا بد ان تُبذل في الاتجاهات الثلاثة المشار اليها : الاصلاح واعادة الهيكلة واعادة البناء.

اما الاصلاح فهو ادخال التغييرات الملائمة علي قطاع ما كي يكون اداؤه افضل مما هو عليه. اذن الاداء معقول , لكنه ليس الافضل. اما اعادة الهيكلة فهي اعمق كثيرا من الاصلاح . لانها تتطلب تغيير مهام وبنية بعض المؤسسات , بما في ذلك اعادة تدريب وتهيئة العاملين في الوزارة علي قيم جديدة وثقافة مختلفة. اما اعادة البناء فهي تعني الظاهر من الكلمات , اي هدم او الغاء هيئة او مؤسسة واعادة بنائها علي اسس جديدة تماما وفقا لقواعد اخري , عادة بناء او وفقا للمعايير الدولية. و التفرقة بين الثلاثة مصطلحات وتطبيق اي منها في اي مقام ليست مسالة ايديولوجية او انطباعات شخصية وانما هي بذاتها تخضع لمؤشرات نجاح وفشل تقول لنا نستخدم اي استراتيجية مع اي قطاع من قطاعات الوزارة.

ولا بد من ان تكون نقطة البداية هي القيادة السياسية للبلاد عبر جهود خبراء امنيين واداريين ومتخصصين في حقوق الانسان وبمشاركة من القوي الفاعلة في المجتمع من السياسيين وقيادات الراي العام. هذا ليس عملا متخصصا فقط , مع وجود شق متخصص لا شك , لكنه بحاجة لتغيير الصورة الذهنية عن هذا الجهاز المهم.

ليست هناك تعليقات :