استيقظت علي دوار مؤلم , لا استطيع رفع راسي سنتيمترا عن ' المخدة ' , وكلما تشجعتُ وحاولتُ تدور بي الغرفة بقوة 40 ' ريختر ' , فاعود للشهادة و الاستغفار و الحمد , بصوت احرص علي خفضه كلما اقتربت زوجتي , حتي لا يصيبها الفزع -- اسجل لها اخلاصا شديدا وتفانيا في رعايتي , كما اعبر عن خالص امتناني لاطباء نبلاء سارعوا لنجدتي --
التهاب بالاذن الداخلية افقدني توازني عدة ايام , قال لي طبيب خفيف الظل : ' الفردة الشمال نايمة ' ! اراد ان يُبسِّط لي الفكرة بتشبيه حالتي بمن يقود سيارة وقد تسرب الهواء من الاطار الامامي الايسر -- علموني الا اغمض عيني عند الشعور ' بالدوخة ' , وان اُثبّت نظري علي اي عنصر في المستوي الافقي , وبالفعل تراجعتْ مدة النوبات وشدتها تدريجيّا , حتي اختفت تماما بفضل الله.
لم اعد اشعر بوزن راسي , وتعقد معدتي , حينها ادركت الحقيقة التي دفعتني الي كتابة هذا المقال . انها حقيقة العلاقة بين الانسان وجسده -- اكتشفت ان هذه العلاقة تكون في احسن حالاتها عندما ينسي المرء ان له جسدا -- افضل علاقة لك بمعدتك الا تشعر بوجودها -- نفس الشيء يسري علي الراس وكل الاجهزة التي لا تملك تحريكها او وقف حركتها بارادتك -- تكره ان تشعر باسنانك , كما تكره ان تشعر بعينيك او اذنيك -- تكره ان تشعر بفقراتك , وتنزعج كثيرا لو شعرت بقلبك او بنبضه -- حفظكم الله من كل سوء , ومتعكم بالصحة و العافية.
' شميت نفَسي ' , وتماثلت للشفاء , وبدات اتامل تلك العلاقة الفريدة بين الانسان وجسده , ووجدتني _دون ان ادري_ اسحبها علي علاقة الانسان بشئونه الحياتية : تريد ان تدير مفتاح صنبور المياه في الصباح , دون ان يخطر ببالك احتمال الا يسيل منه ماء نظيف -- تريد ان تسير في الشارع , دون ان تتلفت حولك تحسبا لهجمة من بلطجي او قفزة من فوق مطب صناعي -- تتمني ان تركب القطار , وفرصة وصولك للمحطة التالية شبه مؤكدة بفضل الله -- تحلم ان يقتصر وقوفك في الطوابير علي طابور معرض عالمي يزور القاهرة , او فيلم جديد , او حديقة الحيوان في العيد , او استفتاء علي مواقع المدن الصناعية ومناطق تعمير الصحاري -- تحلم بهذه الطوابير , بدلا من كوابيس طابور العيش و الوقود وتاشيرة ليبيا! تتطلع لاستقبال الصيف دون ان يشغلك انقطاع التيار الكهربائي , لتتفرغ لحساب ما يمكن ادخاره من دخلك لقضاء اجازة صيفية مع اسرتك ولو لايام معدودة في مصيف شديد البساطة و النظافة في نفس الوقت , وكيف لا يكون نظيفا اذا بدا ما اسميه ' المشروع القومي لدورة القمامة الكاملة ' , الذي يضع مصر علي راس الدول التي تَبْرع في تدوير القمامة , كما تبرع في اعادة استغلال مياه النيل الغالية اربع او خمس مرات لتخرج عن نطاق الفقر المائي؟!
تريد ان تحصل علي التعليم و العلاج و السكن وانبوبة البوتاجاز دون ان تشعر , لتتفرغ لاداء عملك ورسالتك في الحياة --
لن نتقدم حتي نتوقف عن الدوران حول انفسنا , وهو ما لن يحدث الا اذا تعاونّا جميعا علي علاج ' الفردة النايمة ' , اقصد ' كل الفرد النايمة ' , سواء كانت في الحكومة او المعارضة.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق