ما يحصل في تونس و انعكاساته على الوضع المصري أحمد منصور
كنت اول من حاور رئيس الحكومة التونسية حمادي الجبالي بعد توليه منصبه , و التقيته قبل الحوار في مقر مجلس الوزراء في حي القصبة القديم في العاصمة تونس . حيث كان يعقد اول اجتماع للحكومة و صلينا المغرب و بعدها اجتمعت به قليلا قبل ان يلحق بالوزراء , حدثني عن آماله و طموحاته , و هو السجين السابق المطارَد من قِبل نظام بورقيبة و بعده نظام بن علي , و اخبرني بعدها احد موظفي الحكومة الذين يعملون في القصر منذ سنوات طويلة حينما انهيت اجتماعي و اخذني ليوصلني للخارج ان هذه هي المرة الاولي التي يقطع فيها اجتماع الحكومة للصلاة , و كنت قد التقيت قبله رئيس الدولة الدكتور المنصف المرزوقي الذي عاد من المنفي لتولي رئاسة الدولة , و رئيس البرلمان مصطفي بن جعفر رجل الدولة الذي كانت له مواقفه داخل تونس خلال سنوات بن علي , كما التقيت رئيس الحكومة الذي كان يديرها في الفترة الانتقالية الباجي قايد السبسي و اجريت معه حوارا بدا فيه سياسيا محنكا و رجلا لم يفقد بريق الوجود في قصور السلطة , كان المشهد متقدما في التوافق السياسي و الاجتماعي بين الاطراف المختلفة مقارنة بالثورتين المصرية و الليبية , و كان تقسيم القوي و توازنها بين القوي المختلفة شبه مرضيٍّ عنه عدا تظاهرات كانت تقف امام البرلمان لاتحاد الشغل لها مطالب لم تتوقف منذ عقود , كما كان توافق التوانسة علي مبدا الدستور اولا وان يتم الانتهاء منه خلال عام ونصف العام دافعا لنقاش طويل لدي المصريين بان التوانسة قد سبقونا في هذه الخطوة , غير ان استقرار الاوضاع في تونس علي هذا النحو كان يعني ان الاسلاميين سيكونون في المقدمة تليهم القوي و التيارات العلمانية الاخري , وفي مسعي للملمة الشمل اجتمعت القوي العلمانية تحت تيار واحد في محاولة للوقوف امام التيار الاسلامي عديم الخبرة في الادارة كما كان تصلب القيادات الاسلامية في بعض المواقف وبعض التعيينات له اسبابه التي ادت الي تصلب الآخرين و الي وصول ' الترويكا ' التوافقية الي الطريق المسدود الذي وصلت اليه و الذي ادي في النهاية الي اعلان رئيس الحكومة حمادي الجبالي استقالته لعدم قدرته علي تشكيل حكومة تكنوقراط من غير الاحزاب كما وعد , فقوة الاحزاب ونفوذها هما الغالبان في تونس , كما ان الهدف من كل ما حدث ليس مجرد تشكيل حكومة او الدستور اولا او البرلمان اولا , لكن ما يجري في مصر من عرقلة واشاعة للفوضي وتاخير لمسيرة الديمقراطية وفتح الباب امام التيارات العلمانية لمحاولة العودة من جديد علي اطلال فشل لم يحدث للاسلاميين هو الشغل الشاغل لهم , وكان الذي يحرك الفوضي في مصر هو نفسه الذي يحرك الفوضي في تونس , وسواء كان الدستور اولا او الحكومة و الانتخابات اولا فهذه مجرد مطالب للعرقلة , و الا لماذا ما يحدث في تونس يحدث مثله في مصر رغم ان الثورتين مشيتا في اتجاهين مختلفين فيما يتعلق بتحقيق الديمقراطية؟ ولان الثورة قامت علي ' بن علي ' فقد جاءوا ببورقيبة ونصبوه صنما حتي يلتفوا حوله ويعيدوا بناء مشروعه الفاشل كمخرج لتونس من الوقوع في براثن الاسلاميين المتطرفين , وهكذا يفعلون في مصر . فعبدالناصر الذي اسقط الدولة المدنية الديمقراطية واسس النظام العسكري المستبد واوقع مصر في هزيمة كبيرة هي هزيمة عام 1967 التي كانت هزيمة للامة ولم تكن هزيمة لمصر وحدها , يريدون ان يعيدوه معبودا للجماهير مرة اخري .
العجيب في تونس انهم عادوا يتمسكون ببورقيبة كمنقذ وفي مصر عبدالناصر كمنقذ وكلا الرجلين هو السبب في قيام الثورة هنا وهناك لان كلا منهما وضع بذرة الاستبداد و الظلم و الفساد التي قادت تونس كما قادت مصر الي ما وصلت اليه , ولان حمادي الجبالي قد اكتشف ان الفساد متاصل في السياسيين وان المخرج لتونس هو حكومة تكنوقراط فقد اصر علي هذا لكن السياسيين خذلوه , لذلك خرج وهو يعلن استقالته وقال : ان فشل مبادرتي لا يعني فشل التجربة التونسية او فشل الثورة , مؤكدا انه ما زال يؤمن ان تشكيل حكومة من غير السياسيين هو الطريق الصحيح لانقاذ تونس .
لا شك ان حالة تونس تختلف عن حالة مصر , لكن نجاح هاتين التجربتين لن يكون سهلا علي الاطلاق . لان المتربصين هدفهم الهدم الهدم وليس رؤية اي نجاح او اصلاح .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق