عن المناظرة مع باسم يوسف يكتب ناجح ابراهيم



لم تتسع قاعة ' باسيلي ' , كبري قاعات الجامعة الامريكية , لحضور قرابة سبعة آلاف من طلابها , حتي ان بعضهم افترش الارض وجلس علي السلالم , او وقف خلف المدرجات او تزاحم خارج القاعة.

وقد شرفت بتلبية دعوة كريمة من الاعلامي الشهير الاستاذ حافظ الميرازي مع جراح القلب و الاعلامي الشهير د.باسم يوسف لعقد ندوة عن ' الهجاء السياسي بين القبول و الرفض ' .

وقد توافقت آراؤنا جميعا علي السعي لاخراج هذه الندوة بشكل مشرف يليق بشرف العلم ومكانته , وان نبعدها عن جو المناظرات و المشاحنات و المعارك الفكرية الطاحنة , وان ندخلها متحابين متصافحين ونخرج منها كذلك , وان نقدم نموذجا للتلاقي و التراحم مع ما بيننا من اختلاف فكري -- لقد دخلنا القاعة بايادٍ متشابكة وخرجنا منها كذلك , وقد كان د.باسم مهذبا وراقيا معي ومتواضعا خفيض الجناح رغم رؤيته المضادة للتيارات الاسلامية وبخاصة الحاكمة منها.

وقد استطاع الاستاذ حافظ الميرازي ان يعبر بالندوة كل المزالق التي كان يمكن ان تهدم نظامها , وادارها ببساطة وحنكة وقليل كلام وكثير حكمة , حتي خرجت دون ان يخدش حياءها كلمة نابية او فوضي او صخب او خروج عن اللياقة و الادب.

لقد شعرت ان جميع الحاضرين كانوا علي قدر المسئولية , وقد ساعد علي ذلك تقدير د.باسم للآخرين , حتي انه طلب من القاعة ان تصفق لشاب من حزب البناء و التنمية عندما ساله سؤالا محرجا؟ واعتبر السؤال نفسه ظاهرة صحية , حتي اني شعرت بانه لا يضيق بنقد الآخرين له , وقال للسائل : ينبغي علي الدعاة ان يكونوا قدوة , وحتي اذا اخطات انا وسخرت من احد فلا ينبغي لحمَلة الدين ومن ينتمون للدعوة ان يقولوا علي حمدين صباحي ' حمضين ' , فانا غيركم -- انا مهرج وصاحب برنامج ساخر , لكن انت تنتسب الي الله , وتقول ان تصرفاتك محكومة بالكتاب و السنة.

والحقيقة اني كنت متخوفا من ان تتحول هذه الندوة الي نوع ملاسنة او مشاتمة وخاصة في هذه الاجواء من الاستقطاب الحاد التي تشيع في مصر هذه الايام , وقد ركزت في كلمتي علي ' فقه النقد في الاسلام ' , وعلي التفريق بين الاسلام المعصوم و الحكم و الفكر و الحركة الاسلامية غير المعصومة , وانه لا يجوز نقد الاسلام المعصوم , بينما يجوز نقد الحكم و الفكر و الحركة الاسلامية غير المعصومة نقدا بناء موضوعيا.

كما قلت ان الاسلام اعظم دين علي وجه الارض دعا الي النقد الذاتي , وحث عليه , وربطه بيوم القيامة ' لا اقسم بيوم القيامة ولا اقسم بالنفس اللوامة ' .

ثم تحدثت عن مرارة النقد , فقلت : نقد الآخر مر وشاق علي نفسه , ومؤلم لها , فالنقد مر فلا نزده مرارة بجفوة او غلظة او تجريح او سخرية او تنقيص او استهزاء , فالسخرية ترفضها جميع الاديان ' لا يسخر قوم من قوم عسي ان يكونوا خيرا منهم -- ' .

والنقد مر فلا نزده مرارة بافتقاده للعدل و الانصاف , او جمع مثالب الانسان كلها او غمطه حسناته , او استهداف حياة الانسان الخاصة او خلقته او هيئته او باخذ صورة مجتزاة من الواقع و التركيز عليها , ' فانقد الفكرة و العمل ولا تهتم بنقد الشخص ' .

ثم توالت الاسئلة , بعضها لي وبعضها للدكتور باسم الذي اشاع جوا من البهجة و السرور بين ثنايا اجاباته متجاوبا مع صفير القاعة له احيانا وتصفيقها لنا احيانا اخري , وقد لاحظت ان هناك وعيا سياسيا كبيرا لدي الحاضرين , ومعه للاسف صورة ذهنية مشوهة عن الاسلاميين بعد وصولهم للسلطة , وقد نبهت في كلمتي داخل القاعة وخارجها بعد الندوة علي ان الاسلام ليس مسئولا عن هنّات واخطاء بعض ابنائه , وانه ليس هناك متحدث حصري ووحيد عن الاسلام بعد وفاة النبي ' صلي الله عليه وسلم ' , وان الاسلام قضية عادلة يتولي الدفاع عنها احيانا محامون فاشلون كما كان يردد استاذنا الشيخ محمد الغزالي.

و هكذا قضيت يوما جميلا من ايام حياتي الدعوية شعرت فيه بمدي تقصيرنا في حق هذه الدعوة النقية .

ليست هناك تعليقات :