النوع الاول من الاحتجاج عادة ما يؤدي بصاحبه لان يضرب ويتظاهر ويحتج ويعتصم , وربما يقطع طريقا بهدف ابلاغ مظلمته لمن يحكمه. وعادة ما يكون العنف اللفظي المستخدم في حدوده الدنيا ونادرا ما يتطور الي عنف مادي مثل احتجاجات واعتصامات المدرسين و الاطباء. ويكفي للتعامل مع هذا النوع من الاحتجاج المدخل الاصلاحي المتدرج كنوع من رد الظلم عن المظلومين.
النوع الثاني من الاحتجاج عادة يتصاعد لما هو فوق المظاهر و الادوات المستخدمة في النوع الاول لتصل الي السب و الشتم و الاهانة لمن هم في السلطة ومَن يتحالفون معهم , وربما تتصاعد من العنف اللفظي الي العنف المادي ضد المنشآت و السيارات بهدف ايصال رسالة اقوي واسرع بان حالة عدم الاستقرار ستنال الجميع. وما اعتادته مصر في عهد مبارك و المجلس العسكري هو ان ينسحب مَن في السلطة لصالح التالي عليه. وهو ما يتمناه مَن يرون ان الرئيس الحالي قد فقد شرعيته هو الآخر , و الحل هو في تنحيه ومن ثم يكون هناك رئيس جديد.
النوع الثالث من الاحتجاج يبدا بمستوي اعلي من التصعيد لانه يتعامل مع السياسة باعتبارها معارضة للثورة , وان الدولة معارضة للمجتمع , ومع المؤسسات المختلفة باعتبارها ادوات الحكم لسيطرة مَن في السلطة علي مَن في الشارع. وهي افكار لها جذور ماركسية قديمة تري ان الخلاص هو هدم الدولة واعادة بناء دولة جديدة قائمة علي قيم وافكار مختلفة. وهو ما لا يبدو سهلا في الحالة المصرية . لان الثقافة المصرية اعتادت علي ان المجتمع يعيش دائما بثلاثية : الدولة و الدين و السجن للخارجين عن الدولة و الدين. القضاء علي الاستبداد و الفساد كان ربما اسهل من وجهة نظر انصار الاحتجاج علي السياسة و الحكم في ثورة علي النمط السوري , حيث انهارت الدولة تماما , وبالتالي يمكن اعادة بنائها علي اسس جديدة تماما.
هناك نوع رابع اقل وضوحا عند البعض واكثر وضوحا عند البعض الآخر وهم ' البلطجية ' الذين يري البعض انهم ماجورون من قِبل بعض الفلول و الثورة المضادة , ونفس هؤلاء ينظر لهم المتعاطفون معهم باعتبارهم ثائرين ايضا ولكن من فئات اجتماعية اقل , وما مشاركتهم في التظاهر الا بتعبير عن الفجوة الاجتماعية و الاقتصادية التي تزايدت بعد الثورة.
الطبقة السياسية في مصر تبدو عاجزة عن التواصل مع الفئات المحتجة في الشارع السياسي. الاخوان و السلفيون لهم قدرة معقولة للسيطرة علي جماهيرهم , لكن جبهة الانقاذ تواجه تحديا اكبر وهو ان بعضا من جماهيرها بدا يخرج عليها باعتبارها ' مفرطة ' في الحقوق. و الجبهة نفسها تحاول ان تحافظ علي تماسكها ولم تزل تتعامل مع المسالة بمنطق النوع الاول من الاحتجاج , اي الاحتجاج علي ' سياسات ' في حين ان بعضا من انصارها تخطي هذا الحاجز ليحتج علي ' سياسيين ' واصبح يوجه لها انتقادات حادة من قِبل انصار نمط الاحتجاج الثالث من المعارضين للسياسة و الحكم.
ولا يري مَن هم في السلطة الامر علي هذا النحو , بل هم يعتقدون ان جبهة الانقاذ توفر غطاء سياسيا واخلاقيا للاحتجاج وللعنف الحادث في الشارع , ويعتبرون ان هناك بالفعل مؤامرة ضد الرئيس المنتخب ومحاولة لتعطيل مؤسسات الدولة عن التشكل.
هذا التشريح للواقع السياسي المصري اليوم يوحي بصعوبة المشهد واستحالة تجاوزه , لكن الحقيقة ان كم المبادرات المطروحة من كل الاتجاهات يؤكد اننا اكتشفنا ان الوضع الراهن لا يمكن استمراره , و الوضع السابق لا يمكن العودة اليه وان كل طرف اصبح يدرك اننا جميعا نركب في قارب مصنوع من المطاط , حتي لو كانت الاغلبية تجلس في مقعد القيادة لكن الاقلية معها ' دبوس ' تستطيع به ان تفرغ القارب من الهواء , فيغرق الجميع .
ان اجتماع الازهر بالامس و الوثيقة الناتجة عنه , خطوة موفقة وفي الاتجاه الصحيح.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق