ظهور بلاك بلوك على شاشات الفضائيات ياسر عبد العزيز



ما رايك في ظهور ' البلاك بلوك ' في وسائل الاعلام؟ هل من اللائق ان تتم استضافة هؤلاء ' المخربين ' في الصحف و القنوات الفضائية؟ الا يعد ذلك تحريضا علي العنف وترويجا له؟ هل تسمح الدول المتقدمة بمثل هذه ' المهازل ' في وسائل اعلامها؟

تلك بعض الاسئلة التي تلقيتها من زملاء يعملون في وسائل اعلام مؤيدة او تابعة للاسلام السياسي بفصائله المختلفة , علي مدي الايام الثلاثة الماضية.

وفي المقابل , فقد تلقيت مجموعة من الاسئلة الخاصة بالامر ذاته من عدد من الزملاء الذين يعملون في وسائل اعلام تمثل المعارضة المدنية او تتحدث باسمها. لكن الاسئلة تلك المرة كانت مصاغة بطريقة مختلفة , علي النحو التالي :

لماذا يريدون منع ' البلاك بلوك ' من الظهور في وقت يسمحون فيه بظهور ' حازمون ' ؟ اليس ل ' الاخوان ' ميليشيات ايضا؟ هل يمكن تجاهل ' بلاك بلوك ' لان ما يفعله لا يعجب الاسلاميين؟ اليس بلاغ مجلس الشوري ضد احدي القنوات التي استضافت ' البلاك بلوك ' عدوانا جديدا علي حرية الاعلام؟

لعلك لاحظت ان الاسئلة في مجملها تدور حول موضوع واحد , لكنها تتخذ شكلين متعارضين تماما. ولعلك لاحظت ايضا ان الاسئلة , في معظمها , تريد ان تقودك الي اجابة محددة.

انها اذن محاولة لتسخير راي فني , بخصوص مسالة اعلامية حساسة ودقيقة , لمصلحة التوظيف السياسي , في تلك المعركة التي اشعلناها جميعا , بسبب رداءة ادارتنا لمرحلة الانتقال الديمقراطي , وهشاشة اوضاعنا الاعلامية , ومواقف الرئيس وتيارات الاسلام السياسي التي اججت نزعات الاستقطاب و الصراع بالتصرفات الخاطئة و المعيبة.

ليس من السهل الاجابة عن سؤال يخص ظهور ' البلاك بلوك ' في وسائل الاعلام ب ' يجوز ' او ' لا يجوز ' , وليس من السهل ايضا ان يصبر عليك الزميل الصحفي , الذي سالك قبل قليل , حتي تعطيه الاجابة اللائقة . اذ ان ذلك سيعوقه عن اعداد الموضوع الذي تريد صحيفته ان تنشره سريعا , ليساعدها في ' المعركة ' التي تخوضها باستخدام الادوات المتاحة لها من ' تقارير واخبار ' .

السؤال عن ظهور ' البلاك بلوك ' في الاعلام تم طرح مثيله علي منظومات اعلامية عديدة في العالم , عندما كان رئيس لحزب يميني متطرف يدعو الي طرد الاجانب , ويحرض علي كراهيتهم في فرنسا او النمسا , وحينما كان متطرف اسلامي في لندن يريد ان يظهر من خلال وسائل الاعلام , ليحرض علي العنف ضد غير المسلمين , وعندما كانت شرائط تنظيم ' القاعدة ' تصل الي ' سي ان ان ' او ' الجزيرة ' .

لقد كانت الغرف التحريرية تخصص اوقاتا طويلة لمناقشة ' مدي اخلاقية ' استضافة هؤلاء الضيوف او عرض مثل تلك الشرائط , التي ' تمجد العنف و الكراهية ' من منظور كثيرين.

والواقع ان ثمة نتائج واضحة يمكن استخلاصها من افضل المعايير التحريرية , التي وصلت اليها تلك المنظومات الاعلامية , بخصوص ظهور ممثلي جماعات تدعو الي العنف او الكراهية او تتبناهما او تمجدهما.

ومن اهم تلك النتائج انه لا يجب ان تخرق وسائل الاعلام اي قانون نافذ في المجتمع , كما انه لا يجوز لها ان تتجاهل اي قوي سياسية او اجتماعية تمارس ادوارا تحظي بتاييد او اهتمام لدي قطاعات من الجمهور , وتؤثر في مسار الاحداث تاثيرا ملموسا.

فاذا ظهرت جماعة تمارس او تدعو او تحرض او تمجد سلوكا يتسم بالعنف او الكراهية ضد اي من طوائف المجتمع , وكانت محل اهتمام او تاييد قطاعات من الجمهور , فعلي وسيلة الاعلام الرشيدة ان توازن بين دورها في نقل ذرائع تلك الجماعة ووجهات نظرها للجمهور , لتحسن فهمه لمنطقها من جهة , وبين ضرورة الا تتورط في خرق قانون نافذ ومعيار انساني متفق عليه من جهة ثانية.

وتفعيلا لهذا التوازن , فسيتم اظهار ممثلي تلك الجماعة , ومناقشتهم , في وسائل الاعلام الشعبية , لكن المذيع او الصحفي سيكون مطالبا للمرة الاولي و الاخيرة , بالتخلي عن الحياد , وتوضيح خطورة ما يفعله هؤلاء , و الاشارة المتكررة الي انه ينطوي علي خرق واضح للقانون , وذلك لحماية النشء و القاصرين وبعض قطاعات الجمهور غير المؤهلة تاهيلا كاملا.

المهم ايضا في هذا الصدد انه يجب التعاطي مع تلك الحالات من خلال اللجوء الي اجهزة اعلامية مستقلة ذات تشكيل فني متوازن , لتستطيع الموازنة في حكمها علي الاداء الاعلامي بين الاعتبارات التحريرية و القانونية , بدلا من اللجوء الي الاطار السياسي الذي ينظر للامر من باب المصلحة فقط , او الاطار القضائي الذي يقيم المسالة من زاوية القانون وحدها.

ليست هناك تعليقات :