كنا نخاف من الشرطة أما الآن فهي تخاف منا ! فهمي هويدي



الخبر المنشور كالتالي : اعتدي عشرات من الملثمين علي فندق شبرد , حيث رشقوه بالحجارة وحطموا واجهته الزجاجية. فتجمع المئات من عمال الفندق وموظفيه عند المدخل للحيلولة دون اقتحام الملثمين ابوابه , واستخدموا في ذلك العصي الخشبية و الشوم. وقال رئيس جهاز امن الفندق انهم استطاعوا القاء القبض علي خمسة اشخاص من الذين قاموا بالاعتداء علي الفندق.

تلك كانت خلاصة ما نشرته صحيفة ' الشروق ' علي الصفحة الاولي امس ' الاربعاء 13/2 ' . وهذا الكلام اذا صح فانه يثير علي الفور السؤال التالي : اين الشرطة؟ فهذا فندق مقابل لواحد من اكبر واهم فنادق القاهرة , وقد تعرض للاعتداء و النهب قبل عشرة ايام , الامر الذي يفترض ان يبعث برسالة الي كل من يهمه الامر خلاصتها ان فنادق الدرجة الاولي التي في قلب العاصمة علي الاقل اصبحت مستهدفة من جانب افراد العصابات و البلطجية الذين يندسون في اوساط المتظاهرين لتحقيق مآربهم. يفترض ايضا ان يكون جهاز الشرطة اول من تلقي الرسالة. ومن ثم اعد العدة لتامين تلك الفنادق , ولكن حين نقرا في الصحيفة ان موظفي وعمال الفندق تجمعوا عند مدخله ومعهم العصي و الشوم لمنع اقتحامه فان التساؤل عن غياب الشرطة يصبح مشروعا وملحا. واذا اضفنا الي ذلك ما نلحظه من غياب لشرطة المرور في القاهرة فان ذلك يثير علامة استفهام اخري تسمح لنا بان ننصت بجدية الي الشائعات التي تتحدث عن ان الامر ليس مصادفة , كما انه ليس راجعا الي قلة امكانيات ونقص في السيارات و الامدادات. وذلك ينطبق بالدرجة الاولي علي شرطة المرور , الذين ليسوا بحاجة الي اسلحة وذخيرة او سيارات او مدرعات.

في وقت سابق حين تم سحل المواطن حمادة صابر , وسارعت وزارة الداخلية الي الاعتذار للراي العام في مصر عن الجريمة , فان طرفا آخر في الداخلية ضغط علي الرجل لكي يبرئ الشرطة ويتهم المتظاهرين بالمسئولية عما جري له. وقد اثنيت علي موقف الاعتذار في حينه وقلت ان الجهد الذي بذله بعض ضباط الشرطة لدفع الرجال الي اتهام المتظاهرين يعني ان ثمة مدرستين في الداخلية تتحدث كل منهما بلغة مختلفة عن الاخري. وقصدت الاشارة الي ذلك لكي ابين ان هناك مدرسة جديدة تريد ان تتصالح مع المجتمع في حين ان المدرسة الاخري تصر علي الاستعلاء علي المجتمع و الاستمرار في تحدِّيه.

لا يقف الامر عند حد شبهة الاهمال او التقاعس من جانب جهاز الشرطة , ولكننا لا نستطيع ان نتجاهل وقائع التعذيب التي لايزال يتعرض لها المواطنون و الناشطون من جانب عناصرها , الامر الذي يعني استمرار ثقافة واساليب مرحلة الطوارئ التي استمرت عقودا اطلقت يد الشرطة خلالها في الاعتداء علي كرامات الناس اطمئنانا الي ان رجالها فوق القانون.

اننا اذا اردنا ان نتصارح اكثر , فلا مفر من الاعتراف بان جهاز الشرطة بوجه اخص هو احد اهم المتضررين من نجاح الثورة. ذلك ان النظام السابق كان يعتمد في تامينه علي الشرطة باكثر من اعتماده علي الجيش. وخلال الثلاثين سنة التي استمر فيها نظام مبارك كانت وزارة الداخلية هي العصا التي تم بواسطتها القمع و التاديب و التزوير , حتي قيل ايضا انه كان لها دورها في ترتيب عملية توريث الحكم لابن الرئيس. بالتالي فحين يسقط النظام فقد كان طبيعيا ومفهوما الا تستقبل العملية داخل وزارة الداخلية باي ترحيب , ذلك ان تحولها من مؤسسة تخدم النظام ولا تخضع لرقابة او قانون , الي مؤسسة وطنية تخدم المجتمع وتخضع للقانون , امر صعب للغاية. ليس في مصر وحدها , ولكن في كل بلد شهد تحولا من القمع الي الديمقراطية. من اسبانيا الي شيلي , مرورا بجنوب افريقيا واندونيسيا وجورجيا.

لقد تتابع علي وزارة الداخلية خمسة وزراء خلال السنتين اللتين اعقبتا قيام الثورة ' طوال ثلاثين سنة هي عمر عهد نظام مبارك ثم تعيين سبعة ' , ولست اشك في ان بعض الوزراء قد بذلوا جهدا في محاولة اصلاح الجهاز. كما ظهرت خلال تلك الفترة مجموعات من الضباط الاصلاحيين الذين بذلوا جهودا موازية ' الائتلاف العام لضباط الشرطة وضباط لكن شرفاء ' لكننا نلاحظ ان الاصلاح المنشود ظل محدودا وشكليا , الامر الذي يعني ان الامر بحاجة الي جهد اكبر واعمق , لا تتصدي قيادات الشرطة وحدها لان الخبرة المدنية و السياسية يمكن ان تضيف اليه وتثريه وبالمناسبة فان للدكتور عمر عاشور الاستاذ بجامعة اكستر البريطانية و الباحث بمركز بروكنجز الدوحة دراسة قيمة حول اصلاح القطاع الامني في مصر , يمكن الاستفادة منها ومن مثيلاتها في هذا الصدد.

طوال عهد مبارك كنا نخاف من الشرطة ونسال اين الشعب , وقد حدث العكس بعد الثورة حيث انقلب الحال واصبحت الشرطة تخاف من الناس , واصبح امثالنا يتساءلون قائلين : اين الشرطة؟

ليست هناك تعليقات :