فقد تصدر الصفحات الاولي للصحف البريطانية في الخامس من فبراير خبر اشتركت فيه جميعا , هو ان كريس هون , وزير الطاقة السابق , وهو اشهر زعماء حزب ' الديمقراطيين الاحرار ' , شركاء المحافظين في الائتلاف الحكومي القائم الآن في بريطانيا , قد خسر مقعده البرلماني بعد ساعة واحدة من اعترافه بانه كذب وضلل العدالة , ليس لانه نهب وسلب وفسد وافسد , لكن لانه كذب بشان مخالفة مرورية , فقط مخالفة مرورية !! و هذه المخالفة لم تكن في الاسبوع الماضي او الذي قبله وانما كانت قبل عشر سنوات , و القصة ببساطة شديدة هي ان كريس هون الذي خسر لنفس السبب منصبه الوزاري كوزير للطاقة في العام الماضي كان يقود قبل عشر سنوات سيارته و بجانبه زوجته التي اصبحت الآن طليقته , و قد التقطت احدي كاميرات المرور صورة لسيارته و هي تسير بسرعة تتجاوز المسموح به علي احد الطرق , وبسبب حساسية وضعه السياسي فقد اتفق مع زوجته علي ان تسجل المخالفة باسمها و ليس باسمه هو , و قد سبب هذا الامر خلافات داخل العائلة بعد ذلك . لان الرجل هنا دخل في دائرة الكذب , هذا التصرف الذي يحدث في بريطانيا يحدث مثله في بلادنا مئات المرات بل ما هو اكثر من ذلك . حيث يمكن لاحد الاثرياء او المسئولين الكبار ان يسجل جريمة قتل خطا بسيارته او بغيرها باسم سائقه او احد الخدم عنده وترتب القضية علي اعلي المستويات ويخرج مثل الشعرة من العجين , وهناك عشرات الشواهد في مصر علي ما هو اكبر من ذلك , لكن ما حدث في بريطانيا كان عكس ذلك . فقد علم ابن كريس هون بما حدث ورفض سلوك ابيه وانحاز الي امه وطالب الاب بكشف الحقيقة الي الراي العام وكان كشف الحقيقة معناه ان يستقيل الوزير من المسئولية , وبالفعل استقال من منصبه كوزير للطاقة العام الماضي , وبينما ظل الوزير ينكر انه ضلل العدالة لعشر سنوات في هذه القضية التي سيقول كثير من الذين يسرقون بلادهم وخيراتها انها قضية تافهة , لكن الوزير السابق عضو البرلمان البريطاني احد قادة الائتلاف الحاكم قرر يوم الاثنين الماضي 4 فبراير المغامرة بمستقبله السياسي وان يعترف امام المحكمة بالحقيقة , تلك الحقيقة التي قالت عنها صحيفة الاندبندنت البريطانية : انها حولت الرجل ومستقبله السياسي الي ' حطام ' , ليس حطاما فحسب , بل انه سوف يتعرض للسجن لانه ضلل العدالة بشان الكذب في مخالفة مرور .
قرات هذه القصة عدة مرات ووقفت امامها مبهورا وقلت : يا الهي! هل نحن المسلمين الذين وضع ديننا افضل المبادئ في الاخلاق و القيم الانسانية و العدالة , التي يمتلئ تاريخنا بمثلها ونفخر انها حدثت في بلادنا ينقلب الحال الآن ويحدث في بلادنا ما يحدث , ويخرج وزراؤنا اشرافا من المحاكم مع كثرة الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب واكبرها هو تدمير الانسان المصري , ويجبر وزير بريطاني علي الاستقالة من منصبه الوزاري ثم يخسر مقعده البرلماني ويخسر عائلته وهو عرضة الآن لدخول السجن وقضاء عدة سنوات به لانه ضلل العدالة , كل هذا لانه كذب بشان مخالفة مرورية ؟!
لا اعرف هل العيب في القوانين في بلادنا ام في الرجال الذين ينفذون هذه القوانين ام في سلوكيات المجتمع واخلاقياته التي دُمرت بشكل ممنهج طيلة العقود الماضية , يجب ان ندرك حجم ما نحن فيه وما ينبغي ان نقوم به حتي يتساوي الجميع في الحقوق و الواجبات -- فالطريق ما زال طويلا لاعادة بناء الانسان المصري .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق