دون مقدمات طويلة , ربما كانت تلك اسئلة اللحظة الراهنة الحرجة , او بالاحري بعضها. وهي اسئلة قد نغفل عنها او يهرب بعضنا من مواجهتها , رغم ان اجاباتها هي التي يجب ان تحدد واقعيا قرارات ومواقف هذا الطرف او ذاك. بل لعلي لا ابالغ ان قلت انها تحدد ايضا آراءنا ومواقفنا , مواطنين او اصحاب راي مهمومين بهذا الوطن ومستقبله.
●●●
١ هل ينتهي العنف الذي انتشر في كل مكان , ' مشروعا كان او بلطجة ' , او تنتهي احتجاجات الشارع , ' سياسية كانت او فئوية ' بالقضاء علي ' ما يمثلون رموزا معارضة ' , باخراجهم من الساحة , سياسيا او امنيا؟
الاجابة المعروفة للجميه لا , اذا احسنا توصيف من هم في الشارع , واظنهم ينقسمون الي خمس فئات :
الاولي : شباب ثائر محبط يحسبون لاسباب مختلفة ان ثورتهم ' ضلت طريقها ' , وهم في معظمهم لا يخضعون الا لافكارهم ومثاليتهم النقية البريئة , ولوفائهم المطلق لدماء رفاق لهم سالت علي ايديهم , واحسب ان احد عناصر الازمة اننا غير قادرين علي الاقرار بحقيقة ان هناك جيلا جديدا ' يختلف ' عنا في تفكيره وافقه وايقاعه.
الثانية : محبطون يحتجون لاسباب معيشية لا علاقة مباشرة لها بالسياسة.
الثالثة : قلة محسوبة علي هذا الحزب او ذاك.
الرابعة : افراد غير مسيسين , وربما لم يشاركوا في فعاليات الثورة , ولكنهم ضجروا من ممارسات يرونها تهدد طبيعة حياتهم , وكان هؤلاء هم الاغلبية فيمن نزلوا اعتراضا علي الاعلان الدستوري الكارثي ' ٢٢ نوفبر ' , كما انهم يمثلون اغلبية من وقفوا صفوفا حتي منتصف ليل ديسمبر البارد ليقولوا لا للدستور.
الخامسة : منتفعون وماجورون من اولئك الذين يخططون للوصول بالامور الي درجة تسمح لهم باعادة نظامهم القديم.
اذا فهمنا او اعترفنا بهذه الفسيفساء فهما جيدا ' دون مكابرة ' , لامكن ان نجيب عن السؤال اجابة صحيحة.
●●●
٢ اما وقد وصلنا الي النقطة التي وصلنا اليها من الاحتقان ' متعدد الدرجات و الاسباب ' , فهل تجدي الحلول الامنية للتعامل مع ظاهرة العنف؟
ان كنا نتحدث عن الامكانية , فمن يظن ان حلا امنيا يمكنه ان يفيد مع كل هذا الغضب ' الثاري ' الذي تعدي العاصمة الي غيرها من المحافظات , عليه ان يعيد النظر , وعليه ان ينتبه الي تعقيدات ان هناك قانونا صدر ' لاعادة محاكمة ضباط الشرطة ' , الذين بُرئوا في قضايا قتل المتظاهرين , ثم ان كنا نتحدث عن ' الجدوي ' , فالاجابة تتجسد واضحة في سؤال مختصرُه : وهل هناك من نجح في تنفيذ قرار حظر التجوال في مدن القناة الذي اصدره رئيس الدولة؟ ثم هل تدركون ايها السادة دلالة الاعتياد علي الاستهانة بمثل هذه القرارات؟
' يرجي الانتباه الي ان فهم الظاهرة او اسبابها , بغرض التعامل ' الكفء ' معها ليس معناه بالضرورة تبربرها او الدفاع عنها ' .
●●●
٣ هل هناك تحدٍ حقيقي للنظام الجديد من اجهزة الدولة العميقة؟ وهل هناك من يعمل جاهدا لاعادة عقارب الساعات الي الوراء , واعادة انتاج النظام القديم؟ وكيف هي استراتيجيا التعامل مع هذا الواقع؟
نعم -- واحسب ان طرف المعادلة هذا كان موجودا دائما , ولكن انشغال ' رفاق الميدان ' لعامين كاملين بمعاركهم الغبية , سمح له بالازدهار , وبان يطمع في ان يكون هو الفائز في النهاية , بعد ان يصل بنا الي نقطة يتمني فيها الناس عودة نظامهم القديم.
والحل : تقول كتب الاستراتيجيا ان الخطوة الاولي للانتصار في الحرب هي ' وحدة الجبهة الداخلية ' , وان الخطا الاكبر هو ترك هذه الجبهة لخطر الانقسام و التفتت , وتقول تجربتنا القريبة اننا لم ننتصر في الجولة الاولي للمواجهة مع تلك ' الدولة العميقة ' في ٢٥ يناير ٢٠١١ الا عندما كنا يدا واحدة.
●●●
٤ هل الاخوان شياطين , كما يصورهم البعض , او يعتقد البعض الآخر؟
لا -- بوضوح. رغم حماقة تصريحات , وضيق افق سياسة , ولعب بالنار في ملفات حساسة. ورغم ثقة تبدو وقد تضررت كثيرا بنقض متكرر للوعود , ورغم التمترس خلف اسوار صنعتها ثآرات قديمة , ورغم مهارة فائقة النظير في ان نخسر كل من وقفوا جانبنا يوما ما , ورغم غلبة ثقافة حاكمة , كان لها منطقها وضرورتها وقت كانت جماعة مطاردة ' ومحظورة ' , وباتت تستوجب اعادة نظر جذرية بعد ان اصبحت حزبا بل وجماعة ' حاكمة ' .
●●●
٥ هل رموز المعارضة ' او بالاحري من يسمون كذلك ' خائنة او عميلة لجهات اجنبية او طرف في مؤامرة اقليمية -- . الخ؟
لا -- فلا اتهام بلا دليل , بل تعلمنا من ديننا ان العقوبة انما تقع علي من يَتهم بلا دليل , ثم انني لا اتصور ان رئيس الدولة اي دولة يمكن ان يستقبل مرحبا من يعلم انه خائن للبلد او عميل لجهة اجنبية , كما لا اتصور انه يمكن ان ' يعلم ويسكت ' , لان لهذا معناه ودلالته وتكييفه القانوني. وبناء عليه لا يمكنني الاجابة عن السؤال دون اضع في الحسبان الصور ' المرحِبة ' التي بثتها وكالات الانباء قبل اسابيع لاستقبالات الرئيس لكل من هذه الرموز , البرادعي وحمدين وموسي وابوالفتوح وبدوي -- . الخ.
رغم ذلك , فهناك ما يبدو من مراهقة في ممارسات لا تحسن قراءة الشارع , ولا تجيد الاقتراب منه , وهناك ضعفٌ لابد من الاعتراف به , وهناك فشلٌ في بناء تحالفات حقيقية ' تذكروا كيف تم تشتيت الاصوات في انتخابات الرئاسة ' وهناك ما نسمعه احيانا من اصوات تتناقض مع مفهوم الليبرالية كما نفهما , وهناك جموحٌ لتصريحات تبدو افتئاتا علي حق الناس في الاختيار , بدلا من بذل جهد حقيقي في تغيير هذا الاختيار , ثم ان هناك قبل ذلك نجاح بعض ' من لا نضعهم فوق مستوي الشبهات ' في القفز الي مربع المعارضة ' غسيلا للسمعة ' ومتاجرة بمفهوم المعارضة ذاتة , مما اساء كثيرا الي صورتها عند الناس. اعلم ان احدا لا يملك لذلك دفعا , لان احدا لا يملك ' صكوك ' المعارضة , او خاتمها , ولكن هذا للاسف لا يمنع الضرر.
●●●
٦ هل يقدم النظام الحاكم علي تصفية خصومه واخراجهم من المشهد؟
لا -- لانه ببساطة يحتاج امام مؤيديه الي ' من يعلق في رقبته الجرس ' .
●●●
٧ ما مدي صحة القول بان الذين يعارضون بعض قرارات او سياسات للرئيس او جماعته , انما هم ' اقصائيون ' يكرهون الاسلام ويعارضون فكرة وصول الاسلاميين للحكم؟
سؤال لا يحتاج الي اجابة. اذ نحسب ان قليلا جدا من المنطق ' الغائب ' , كافٍ لتنبيه المروجين لذلك ان قائمة المعارضين لهذا القرار او ذاك شملت احيانا اسماء مثل عبدالمنعم ابوالفتوح ومحمد حبيب , و الاثنان كانا نائبين للمرشد العام للاخوان المسلمين , كما ضمت غير مرة اسماء مثل طارق البشري ونهي الزيني وهبة رءوف و الذين كانت لهم اعتراضات معتبرة علي ما جري في ' عملية الدستور ' , كما ان شيئا من الانصاف قد يذكرنا بان كثيرين من اولئك الذين نستسهل اليوم اتهامهم بانهم ' اقصائيون ' يعارضون فكرة وصول الاسلاميين للحكم , كانوا بين الذين دعموا مرسي ' مرشح الاخوان المسلمين ' , ووقفوا بجانبه في حملته الانتخابية. و القائمة هنا تطول بداية بالذين وقعوا علي ' وثيقة فيرمونت ' , وليس نهاية بشباب انشق عن الجماعة في هذه المناسبة او تلك.
●●●
٨ هل هناك من حل غير الحوار؟
الاجابة لا -- وان كنت عكس كثيرين , ومن واقع تجربة عملية افهم ان تكون للحوار ' شروط ' حتي لا يفشل كسوابقه. ولكني لا افهم ان يُرفض من حيث المبدا. لا حل عمليا غير الحوار الجاد ' والملزم ' , وحسبي ان من في موقع المسئولية عليه ان يدرك انه صاحب المصلحة الاولي في ان ينجح هذا الحوار , بعد ان وصلنا الي نقطة يحسن لتوصيفها الرجوع الي التصريحات الاخيرة للقائد العام للقوات المسلحة.
●●●
وبعد --
فنقاش مطول ليلة ' احداث الجمعة ' علي موقع التواصل الاجتماعي twitter مع ' طبيبة ' , كما يبدو من تعريفها لنفسها , كان سببا وراء كتابة هذا المقال. اذ هالني ان يصل الامر بطبيبة ان تري العَرض ولا تري خطورة المرض , لا لسبب الا لصلة فيما يبدو تربطها بالمريض وهي حالة يعرفها الاطباء وتعرف بClinical Case of Denial , وللاسف فانكار الحقائق او التعامي عن ' الاشعات ونتائج الفحوص ' لم يكن ليغير ابدا من واقع الحال , وكما ان المستشفيات حافلة بالامثلة , فتجارب التاريخ القريب ان كان في عراق صدام , او ليبيا القذافي , او يناير مبارك , كاشفة وماثلة في الاذهان.
وايا ما كان الامر , فهذه اسئلة لا اظن احد يختلف حول اهميتها , وان كنت علي يقين بان هناك غير الطبيبة من قد لا تريحه الاجابات , ومن الطبيعي ان يكون هناك ايضا من يختلف معها -- لا باس , فهذا مبلغ علمي -- و الله تعالي عنده العلم كله.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق