العيب الخلقي و مخطط تقسيم مصر معتز بالله عبد التفاح

وجدني مهموما , فسالني ' ايه الحكاية؟ ' كان هذا صديقي محمد الميكانيكي. قلت له : ' زعلان لاني اجد في نفسي في حالة من عدم القدرة علي ايجاد حلول لمشاكلنا ليس لانها بلا حلول ولكن لان من بيدهم الامر يرون المشاكل بحجم ووزن اكبر من الحلول. وهذا مالوف في بيئة مازومة. وبالذات حين يقدم مقترحات معقولة لا تجد قبولا عند من وجهت اليهم المقترحات , ثم يجد بعد فترة من يقول لك : ' يا ليتنا سمعنا كلامك ' . و ' يا ليت ' هذه فيها شهور بتضيع واموال كثيرة تنفق في غير طائل و الاهم ارواح زكية تذهب في غير منطق.

' طيب ما يمكن انت بتفكر غلط. انت بتقعد تحلل وتفكر في البدائل , وتحسب كل بديل وتصعب المسالة علي نفسك. اديها في الكلاتش علي طول , وقل اي كلام , مش انت اللي كنت بتقول محاولة استخدام المنطق لعلاج مشاكل مجتمع لا يعترف بالمنطق هي محاولة غير منطقية في حد ذاتها. خلاص قُل لهم كلام غير منطقي من وجهة نظرك يمكن يطلع منطقي من وجهة نظرهم. يعني مثلا موضوع ان الاخوان خطفوا البلد ومش هيسبوها تاني , نعمل ايه؟ ' قال صديقي الميكانيكي.

' عايز اجابة غير منطقية يمكن تطلع منطقية؟ شوف يا سيدي , القوي السياسية منقسمة , كل طرف عايز يلون مصر باللون الذي يتفق مع تحيزاته , وكل طرف راغب في ان يخطفها من الطرف الآخر حتي لو ترتب علي ذلك انها تنكسر او تتقطع مش مهم. المهم ان الطرف الآخر لا يفوز بها سليمة. طيب ايه رايك نقترح عليهم اننا نعطي لليساريين شوية محافظات , ونعطي لليبراليين شوية محافظات , ونعطي للاخوان شوية محافظات , ونعطي للسلفيين شوية محافظات , وللشباب غير المتحيز ايديولوجيا شوية محافظات. ونرجع لهم بعد سنتين , ونشوفهم هيعملوا ايه. ومن ينجح فيهم يكون هذا جزءا من سجله علشان لما نعمل انتخابات يبقي الناس عارفة من يقدر علي ماذا ' .

' تفتكروا هيعملوا ايه؟ ' سال صديقي. ' غالبا مش هيعرفوا يعملوا حاجة , او علي الاقل هيكتشفوا ان المثالية اللي بيتكلموا بيها في الفضائيات , تنفع في الفضائيات فقط , وان الواقع له تعقيدات هم يغفلونها او هم علي غير وعي بها , وان القدرة علي الاعتراض و الاحتجاج و الهدم و التدمير اسهل كثيرا جدا من القدرة علي البناء و التطوير. وغالبا سيتوقفون عن العمل وينشغلون بالظهور في الفضائيات ومع كل مشكلة تواجههم سيتهمون الطرف الآخر بانه السبب فيها كجزء من مؤامرة ضده , وغالبا هيكون فيه كلام عن تدخل دول اجنبية مثل امريكا وقطر او اسرائيل او ايران من اجل نصرة هذا المشروع او ذلك. وانصار كل تيار سيقفون ضد من يحكمه ليطالبه بما لا يطيق. يعني مثلا , بعض الجهاديين في المحافظات ذات المحافظ الليبرالي او اليساري سيعتصمون ويقطعون الطرق وفي مرحلة لاحقة سيحرقون مبني المحافظة ويدمرون الشرطة وسيجري امامهم المحافظ ' ملط ' لانهم يطالبونه بتطبيق شرع الله فورا. اما في المحافظات ذات المحافظ الاسلامي فسيخرج عليه الليبراليون مطالبين بحقوق يعتبرونها مقررة لهم دوليا وسيستدعون التليفزيونات العالمية لان المحافظ لا الاسلامي رجعي وبيحكم المحافظة عبر الفاشية الدينية.

وستجد المحافظة الافضل هي التي فيها عدد اقل من الجدران المانعة و الاسلاك الشائكة. وستتفاخر المحافظات بعدد زجاجات المولوتوف التي القيت فيها , وسنحل مشاكل مصر كلها , باذن الله , عبر تدميرها علشان نبدا من اول وجديد. وان كنت اشك اننا سنبدا ' قلت له.

' يا نهار اسود , ايه ده؟ ده احنا ما لناش قومة , طيب وبعد السنتين ما يخلصوا ونكتشف الخيبة دي , هيحصل ايه؟ ' قال صديقي محمد الميكانيكي.

' ولا حاجة , هنكتشف ان العيب عيب مصنع , عيب خلقي احنا بنتولد به ثم يكبر جوانا , ثم كل واحد ياخذ اتجاهه الايديولوجي الذي يناسبه , ولكن يفضل العيب موجود , فنتحول الي كائنات صدامية , يختفي بيننا صوت العقل , ويرتفع صوت الغلظة في كل اتجاه. لا نري في انفسنا عيبا , ونري كل العيب في الآخرين. ويضيع البلد مننا , ويا فرحة اسرائيل فينا. وهذا هو الكلاتش ' . سلام يا صاحبي.