ان العبرة التي ينبغي ان نستخلصها مما جري ان فكرة وقف العنف التي نتعاطف معها ونرحب بها خصوصا انها ظاهرة جديدة علي سلوك الشعب المصري تعد علاجا لمشكلة قبل تشخيصها وتحرير اسبابها. وهو في ذلك اقرب الي منطق وضع العربة امام الحصان. ولذلك تمنيت ان يسبقها جهد آخر للتشخيص الذي يتحري اسبابه و العوامل او العناصر التي تقف وراءه. وبناء علي ذلك التشخيص يجري التفكير في العلاج. وبالمناسبة فاننا لا نستطيع ان نعفي السلطة من التقصير في هذا الجانب. ومن الواضح انها اعتمدت في تعاملها مع العنف علي الاجراءات وليس السياسات. وهو ذات المنطق التقليدي الذي يعتمد علي قوة السلطة وعضلاتها , لكنه لا يعتمد علي عقلها وادراكها لمجريات الامور في المجتمع.
كانت تلك هي الملاحظة الاولي. اما الملاحظة الثانية فهي تنصب علي المشهد المروع الذي تابعناه ليلة الجمعة , الذي راينا فيه احد المواطنين وقد تم سحله و التنكيل به وهو عار تماما بعدما مزقت ثيابه , في اثناء الاشتباكات التي وقعت امام قصر الاتحادية , وهو مشهد يجلل بالعار سجل وزارة الداخلية ويشين النظام القائم برمته اذا سكت عليه ولم يتعامل معه بمنتهي الحزم و الشدة. دعك من الفضيحة العالمية التي احدثها بث تلك الصورة , الامر الذي سيظل وصمة ونقطة سوداء في جبين النظام القائم بعد الثورة , بل في جبين الربيع العربي. في ذات الوقت فانه يمثل هدية مجانية ثمينة للذين يسعون الي تخويف الناس في العالم العربي خاصة وتنفيرهم من الربيع وتداعياته.
اذا قال قائل بان الربيع العربي حرر الانسان من سلطان الاستبداد وسلحه بالجراة و الاعتزاز بكرامته و الاصرار علي مطالبته بحقه , فلن اختلف معه في شيء. وربما جاز لي ان اضيف اليه قرائن اخري تؤكد انه يمثل نقطة تحول في التاريخ العربي المعاصر. لكنني اذكر بان النقطة السوداء تظل اكثر ما يلفت الانظار في اي ثوب مهما كان بياضه.
رغم مسارعة وزارة الداخلية الي الاعتذار عما حدث و التحقيق مع المسئولين عنه , فان الحادث يثير ثلاث نقاط هي :
انه ثمة ثقافة في اوساط الشرطة ينبغي ان تتغير. صحيح ان خمسة وزراء للداخلية تعاقبوا المنصب خلال السنتين اللتين اعقبتا الثورة , الا ان التغيير شمل الافراد ولم يشمل الثقافة بعد. بدليل اننا لم نلمس حتي الآن تغييرا جوهريا في تعامل الشرطة مع المجتمع بعد الثورة. لا انكر ان ثمة تغييرا نسبيا اصلاحي وبطيء في الاغلب الا انه يظل دون المستوي الذي يعبر عن حدوث ثورة في البلد. لا استطيع ان اتجاهل الانهاك و الضغط وربما قصور الامكانيات لدي اجهزة الشرطة , لكن ذلك كله لا يبرر لا سحل مواطن عار ولا قتل متظاهر غاضب. < ان المرء لا يستطيع ان يخفي دهشته ازاء العجز عن التعرف علي الجهة او الاطراف التي تسعي الي اشاعة الفوضي واطلاق الرصاص علي المتظاهرين السلميين , وقد قيل لي ممن يعرفون اكثر مني ان الداخلية تقف وحدها في مواجهة هذه الظاهرة , وانها في مسيس الحاجة الي تعاون الجهات الاخري المسئولة لكي تمسك بخيوط تلك المحاولات الخبيثة وفك الغازها. < ان الدهشة تستمر ايضا بل تتضاعف ازاء سكوت القيادة السياسية ازاء الحدث , الذي ينبغي الا يفهم بحسبانه عدوانا من الشرطة علي بعض المتظاهرين , لانه في جوهره عدوان من السلطة علي المجتمع. لان اهانة مواطن بتلك الصورة البشعة , او باي صورة اخري , هو عدوان علي المصريين جميعا لذا لزم التنويه .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق