لماذا الاصرار على التحدث باسم الجيش ؟ وائل قنديل



مقال نشر اليوم الجمعة 22 فبراير ... ما يدور في مصر الآن صراع سياسي حامي الوطيس , ينبغي ان يظل محصورا في هذا النطاق , دون التلويح بتدخل الجيش او مغازلته من هذا الطرف او ذاك , لان في ذلك مفسدة للجيش ومحرقة لمصر ستاكل الاخضر و اليابس.

وفي وسط هذه الاجواء المشحونة لا يصح ان ينصب احد نفسه متحدثا باسم الجيش او عنه او له , تلميحا او تصريحا , باستدعائه للدخول في آتون معركة سياسية , بصرف النظر عن ان للجيش متحدثين رسميين , لا اتصور ابدا انه من الممكن ان يقدموا علي خطيئة الاشتباك مع المازق الراهن.

لقد جربت كل اطراف اللعبة السياسية في مصر خيار اللجوء الي المجلس العسكري بعد ثورة ٢٥ يناير , وكانت النتائج فادحة وكارثية , دفع الجميع ثمنها دما وضياعا في متاهات ودروب تسببت في نزيف للثورة المصرية.

ومن عجب ان بعضا من الذين اطاح بهم المجلس العسكري خارج المشهد , علي كثرة ترددهم عليه و الجلوس بين يديه هم الذين يستدعون المؤسسة العسكرية للحضور في الازمة القاتمة الراهنة , دون ان ينتبه احد الي ان هذه الثورة انفقت ثلاثة ارباع عمرها تناضل وتقاوم لاخراج المجلس العسكري من الملعب السياسي حفاظا عليه وعلي الثورة.

ومن هنا يبدو مفارقا وصادما ان الذين قالوا يوما ' ايوه بنهتف ضد العسكر ' يرددون الآن ' ايوه بنهتف باسم العسكر ' بعد اسابيع قلائل فقط من تصفيقهم لرئيس الجمهورية المنتخب علي قراره باقصاء المشير و الفريق من آتون السجال السياسي و التشريعي , واعادة الجيش الي ثكناته.

واذكر ان محاولة من هذا النوع جرت في شهر اكتوبر الماضي ولم تؤت اكلها وقد علقت عليها بلفت الانتباه الي ان ' تناول المؤسسة العسكرية في مستوياتها العليا كان عملا عاديا بل ومطلوبا عندما كان المجلس العسكري حاكما للبلاد ومهيمنا علي السلطتين التشريعية و التنفيذية فيها , وكان انتقاده ومهاجمته واجبا عندما كانت المذابح ترتكب في حق الثورة و الثوار تحت ادارته للمرحلة الانتقالية -- اما وقد بدات الامور تعود الي نصابها بعودة القوات الي ثكناتها , ووجود سلطة تنفيذية منتخبة , فان الكلام عن المؤسسة العسكرية ينبغي ان يكون بحساب , اذ لا يحدث في اي مكان في العالم ان تتحول ادق تفاصيل القوات المسلحة وفروعها وميزانياتها مادة تلوكها الالسنة علي الشاشات.

ومن ضمن ما قلته انه لا معني لهذا الافراط في تناول المؤسسة العسكرية الا ان البعض يتحرق شوقا لتلك الايام التي كان ' العسكر ' فيها اصحاب الحل و العقد و المنح و المنع , متصورا ان هذه ورقة مهمة في سياق محاولات تهدف الي احراق هذه المرحلة و العودة الي نقطة الصفر.

وفي المازق الذي حشرنا فيه الاعلان الدستوري الصادر عن رئيس الجمهورية ينبغي البحث عن حل او مخرج سياسي تنهض به شخصيات تدرك خطورة الوضع الذي يساق اليه الجميع , في ظل الحشد و الحشد المضاد للخروج غدا , في لحظة تلتهب فيها مشاعر البلاد ومفاصلها علي نحو ينذر بصدام لن ينجو منه احد.

فليرفع الجميع ايديهم عن الجيش , وليقدم رئيس الجمهورية علي خطوات تبدد سحب الخطر , وتعفي مصر وثورتها من انتحار جماعي يندفع اليه الكل وكاننا امة فقدت عقلها فجاة.

ملحوظة : نشرت هذه السطور في 26 نوفمبر الماضي وكاننا لم نغادر تلك اللحظة بعد.

ليست هناك تعليقات :