الصحيفة البريطانية لم تكتف بذلك وانما قالت نصا : ' ان قطر تجسيد لنجاح باهر في عالم الدبلوماسية الشرق اوسطي العسير , لا نملك الا ان نرحب به ' , وان القيادة القطرية تؤدي دورا رئيسيا في دفع الامور باتجاه وقف اراقة الدماء في سوريا , واتخذت موقفا اكثر حزما ازاء ردة فعل النظام القاسية علي موجة الاحتجاجات الشعبية , واضافت الصحيفة ' لا يمكن اغفال الدور القطري اللاعب الرئيسي الذي دفع الجامعة العربية , للمرة الاولي في تاريخها , لتؤدي مهمة قيادية ذات معني في المنطقة , فالدوحة اظهرت ان بوسعها توظيف اموالها ونفوذها واحكامها السليمة للتاثير علي الجيران القريبين و البعيدين , وعليها الآن اداء الدور نفسه في سوريا ' .
التقرير رصد بروز الدبلوماسية القطرية علي مسرح الاحداث في العالمين العربي و الاسلامي , من خلال الثورة الليبية ضد نظام العقيد القذافي اذ لم تتلكا قدرا في الاعتراف بالمجلس الانتقالي الوطني , باعتباره صاحب السلطة الشرعية , ووقفت وراء الثورة بقواتها , وكانت احدي القوي الفعالة وراء تحرك الجامعة العربية في ما يخص الشان الليبي , كما صارت الدوحة صارت ' عاصمة الوساطات ' بالمنطقة , وبوضع جولة المحادثات التي عقدتها ' منظمة التجارة الدولية ' في الآونة الاخيرة جانبا , يجد المرء ان العاصمة القطرية هي البقعة التي تشهد تسوية العديد من القضايا الدولية المهمة , ففي 2008 شهدت الدوحة توقيع اتفاقية انهت شهورا عدة من الغوص في المازق السياسي اللبناني.
من خلال الرصد التاريخي لتحركات قطر الخارجية سنجد انه منذ اعلان استقلالها عن بريطانيا في 3 سبتمبر 1971 , تعتبر من الدول النشطة دبلوماسيا في بيئتها الاقليمية و الدولية , خاصة منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم عام 1995 , حيث اصبح لها وضع متميز ومستقل في المنطقة العربية عامة و المنطقة الخليجية خاصة , رغم حساسية المنطقة وتعرضها لاحداث وعواصف وظواهر عدم استقرار في السنوات القليلة الماضية , وبالفعل فخلال الاثني عشر سنة الاخيرة , وفي هذه الظروف الدولية الجديدة برز الدور القطري علي المسرح الدولي , واطلقت القيادة القطرية العديد من المبادرات السياسية من اجل تخفيف التوتر في العلاقات الدولية , و التقريب بين وجهات النظر من اجل الحيلولة دون تفاقم الاوضاع في اكثر من قضية وملف سياسي , مثل القضية الفلسطينية و القضية العراقية و الحرب الاسرائيلية علي لبنان ومشاكل القرن الافريقي , و الملف النووي الايراني الذي يؤرق بال المجتمع الدولي منذ وصول الرئيس احمدي نجاد الي السلطة.
وربما يجدر الاشارة هنا الي انه خلال خطاب لامير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني خلال انعقاد الدورة الرابعة و الثلاثين لمجلس الشوري القطري , جدد الالتزام بمبادئ التعايش السلمي و التعاون الدولي علي اساس الاحترام المتبادل و المصالح المشتركة و الانفتاح علي الحضارات و التفاعل معها , و الايمان بضرورة احترام حقوق الانسان و الالتزام بتسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية , وربما تكون هذه الكلمة هي السر الذي من خلالها يمكن الوقوف علي اسباب هذا الصعود القطري علي الساحة الدولية , فعند رصد مسار الدبلوماسية القطرية خلال العشر سنوات الاخيرة , يلاحظ كيف تحولت قطر من بلد حديث العهد بالاستقلال يبحث عن تثبيت اقدامه علي الساحة الدولية , الي بلد يقوم بدور علي الصعيدين الاقليمي و الدولي.
ويضاف لذلك ايضا ان الدوحة استطاعت استغلال قدراتها الاقتصادية في خدمة تحركاتها السياسية , فالاستثمارات القطرية لم تتركز في مكان واحد , وانما توزعت وفقا لما يخدم السياسة القطرية , لذلك نجد انها فتحت القارة الاوربية امام الاستثمارات العربية , وليس ادل علي ذلك من حجم الاستثمارات القطرية الموجودة في بريطانيا , حيث ترتبط الدوحة بعلاقات اقتصادية قوية مع لندن , وقد اشترت في السنوات الاخيرة اسهما في بنوك ومؤسسات بريطانية مثل بنك باركليز وسلسلة متاجر سينزبيري وشركة الخطوط الجوية البريطانية ' بريتش اير وايز ' , كما تملك قطر متاجر هارودز الشهيرة في لندن , وتمول عبر استثمارات متعددة بناء اعلي ناطحة سحاب في اوروبا في لندن , وياتي ذلك فيما كشفت وسائل اعلام بريطانية عن محادثات تجري في مراحلها الاولية بين مسئولين بريطانيين وقطريين بشان قيام قطر باستثمار مبلغ نحو 10 مليارات جنيه استرليني ' نحو 15 مليار دولار ' في مشاريع للطرق و الطاقة في المملكة المتحدة , حيث عقد مسئولون ووزراء من الجانبين اجتماعات لمناقشة وضع خطط لما يمكن ان تقدمه قطر من استثمارات في بريطانيا , ومدي امكانية انشاء صندوق استثماري خاص في هذا الصدد.
لكي يكون لك تاثير في الخارج عليك ان تلبي احتياجات الداخل , هذه هي القاعدة التي اعتمدتها قطر , وهو ما اشارت اليه ايضا التقارير الدولية , ومنها تقرير معهد التمويل الدولي ومقره واشنطن الذي اكد ان تصدر قطر لقائمة من الدول تضم دول الخليج العربي واوروبا وامريكا الشمالية , علي اساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي , حيث يفوق دخل الفرد السنوي في قطر ١٠٦ آلاف دولار , كما احتلت قطر المرتبة الاولي عربيا و المرتبة ' 36 ' عالميا بعد ان كانت في التقرير السابق ' 37 ' , وذلك حسب تقرير التنمية البشرية لعام 2013 و الذي صدر امس الخميس بالمكسيك , حيث اظهر التقرير اهم المؤشرات و الاحصاءات التي تبرز ذلك من خلال عرض كامل لما حققته الدولة , كما ابرز التقرير التطور الكبير الذي شهدته قطر في كل جوانب التنمية الاجتماعية و الاقتصادية , حيث ارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة من ' 78.4 ' عام 2011 الي ' 78.5 ' لعام 2013 , كما ارتفع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي الاجمالي ليصبح ' 87478 ' دولارا لعام 2013 مقارنة ب ' 82978 ' دولارا لعام 2011.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق