وكم كنت اتمني ان يكون اول تحفظ علي دخول الادارة الامريكية علي خط الانتخابات الداخلية المصرية صادرا عن الرئاسة و الحكومة المصريتين , وعن تيار الاغلبية الذي رايناه في محطات عديدة يتحدث عن الاستقلالية و الكرامة في مواجهة اشارات الاستقواء بالخارج و التلويح باستدعاء مواقف دولية لحسم مسائل داخلية.
غير ان التناقض ذاته لم تسلم منه رموز معارضة لطالما لمحت وصرحت بانها ستدعو الاسرة الدولية لمساعدة المعارضة في مواجهة النظام الحاكم , بل وطالبت الادارة الامريكية و الاتحاد الاوروبي مرارا بالضغط علي السلطة الحاكمة في مواقف عديدة , وكل ذلك موثق ومدون علي المواقع الالكترونية , ومن ثم هي الاخري تتعامل بمكيالين مع موضوع التدخل الدولي , فهو ايجابي ومنطقي من وجهة نظرها احيانا , وسلبي وسيئ وغير اخلاقي في احيان ومواضع اخري.
وهو التناقض نفسه الذي تجده في تعامل هذه الاطراف مع المؤسسة العسكرية , فمن مطالبات صارمة باخراج الجيش من المشهد السياسي , وهتافات صاخبة ' ضد العسكر ' الي استدعاءات وتوسلات لهذه المؤسسة كي تعود مجددا وتلعب دورا سياسيا ويشتط بعضهم لمطالبة الجيش بتولي مقاليد البلاد.
وفي موضوع طلب وزير الخارجية الامريكي من المعارضة المشاركة في العملية الانتخابية وردود الافعال العنيفة عليها وتبني مواقف ' جهادية ' غريبة علي اصحابها بشانها , يلفت النظر ان الاصوات التي ارتفعت بالهتاف ضد التبعية وتدخل الاجنبي في المسالة الوطنية المصرية , سكتت حين طالب الجنرال الهارب بولاية الامم المتحدة علي الشان الانتخابي في مصر , ولم نسمع ان احدهم راي في هذه الدعوة الخرقاء مساسا بالسيادة و الكرامة الوطنية.
وفي هذا المناخ السياسي البائس تبدو مصر دولة عاطلة او معطلة , تستمتع بحالة الفراغ دون رغبة جادة وحقيقية في الفعل , فلا السلطة قادرة حتي هذه اللحظة علي اطلاق مبادرة وطنية جامعة يلتف حولها الجميع , ولا المعارضة راغبة في مغادرة هذه المساحة الصغيرة التي حشرت فيها نفسها مستمتعة بالكسل و الجري في المكان دون خطوة واحدة للامام , ودون اقناع احد بجدارتها كبديل.
واجمالا يمكن القول ان مصر انحشرت في نفق قلة الحيلة , فلا السلطة تقدم علي خطوات واجراءات تمنح الشارع املا في مستقبل افضل , ولا المعارضة قادرة علي قيادة هذا الشارع لاحداث تغيير حقيقي , بعد ان استنفدت كل محاولات اسقاط النظام او اجباره علي تغيير استراتيجياته وادواته , وتفر من مواجهة لحظة امتحان الانتخابات كوسيلة اخري ووحيدة في هذه الظروف لصناعة التغيير.
ويمكنك ان تاخذ حالة نقابة الصحفيين نموذجا لهذه الحالة من الياس , فهاهي نقابة الراي تعجز عن حشد اعضائها لاقامة انتخابات للنقيب ونصف عدد اعضاء مجلس النقابة , ولم يحضر الجمعية العمومية امس اكثر من نصف العدد اللازم لاكتمال النصاب.
ويبدو ان مصر قررت ان تعيش حياة افتراضية , الكترونية وفضائية , هربا من مواجهة استحقاقات الواقع -- فاي مستقبل لوطن استمرا هذه الحالة من ادمان الكلام وكراهية الفعل.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق