دروس في التفكير الجيد فهمي هويدي



وقعت علي وصفة تسهم في علاج اعقد مشكلاتنا , وهي : كيف نفكر علي نحو افضل. وقد ذكرتني بالنكتة التي تقول ان متجرا كبيرا خصص جناحا لبيع العقول , ووضع اعلي سعر لنموذج للعقل المصري , وحين سئل مديره عن السبب في ذلك كان رده ان العقول الاخري الاقل سعرا سبق استعمالها وتشغيلها. اما العقل المصري المعروض من خامة جيدة حقا الا انه لم يستخدم قط من قبل , لذلك فان عداده لا يزال ' علي الزيرو ' !

الوصفة تعتمد علي منهج مستحدث لتعليم التفكير. وهو مستحدث عندنا فقط لان مثل هذه المناهج بدا تطبيقها في عام 1967 , عام ' النكسة ' عندنا الذي جسد ازمة الحاجة الي التفكير و التدبير. الا ان خطاها تسارعت منذ عام 1985 حتي اصبحت معتمدة ومطبقة في 57 دولة , آخرها جمهورية الدومينيكان ' احدي دول البحر الكاريبي ' . الفكرة نقلها الي مصر خبير حصل علي شهادة من جامعة اكسفورد بانجلترا , باعتماده مدربا في مناهج تعليم التفكير , هو الدكتور مهندس شريف الهجان , الذي اشهر مؤسسة في مصر لهذا الغرض. وعرض المشروع علي وزير التربية و التعليم في مصر , ورئيس الاكاديمية المهنية للمعلمين. وقد تحمس الاثنان له , وهو الآن بصدد ترجمة مادته العلمية الي اللغة العربية.

فكرة المشروع ترتكز علي المنطلقات و المعطيات التالية :

_ هناك حاجة ملحة الي تعليم التفكير الجيد. ذلك ان التفكير الذي نمارسه كل يوم كالمشي العادي الذي يقوم به كل فرد. اما التفكير الجيد فهو مثل الجري لمسافة مائة متر او مثل السباحة او قيادة السيارات , بمعني انه انجاز تقني يتسم بالبراعة. صحيح ان التفكير غريزة فطرية لدي الناس جميعا , الا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان كل تفكير جيد في محصلته. علما بان التفكير الجيد لا يتوافر للفرد بصورة تلقائية وانما لابد من تعلمه واكتسابه المهارة فيه. واذا كان كثيرون لا يحسنون التفكير فان ذلك لا يرجع الي انهم يفتقرون الي الذكاء. ولكن لانهم لم يتعلموا التقنيات الخاصة بطرق التفكير الجيد.

_ احدي ابرز اوجه القصور في نظامنا التعليمي انه لا يحرك عقول التلاميذ ولا ينمي لديهم ملكة التفكير. فهم غالبا ما يتخرجون , وهم لا يملكون سوي ما ادخل الي عقولهم من اوامر وتعليمات. ولذلك فانهم يظلون بحاجة الي اكتساب مهارات التفكير من خلال ادخالها ضمن مناهج التعليم.

_ الاسباب التي تدفع الي تعلم تحسين التفكير متعددة. ابرزها المنفعة الذاتية للمتعلم نفسه , حيث يزود بما يساعده علي خوض مجالات التنافس بشكل فعال في عصر ارتبط فيه التفوق بمدي القدرة علي التفكير الجيد. منها ايضا المنفعة الاجتماعية العامة. ذلك ان اكتساب مهارات التفكير الجيد يجعلنا ننظر بعمق الي مشاكل المجتمع , كما انها تساعد علي التقارب بين الافراد و التفاعل معهم. كما ان التفكير الجيد يساعد علي تحسن الصحة النفسية لان الذين يكتسبون مهاراته تصبح لديهم قدرة اكبر علي التكيف مع الاحداث و المتغيرات التي تحيط بهم.

_ البرنامج المعد يغطي مظاهر التفكير المختلفة , كالتفكير الابداعي و النقدي , ويركز علي التدريب علي استخدام ادوات خاصة تساعد علي تنمية القدرات الذهنية. وقد بينت الدراسات التي اجريت علي نتائج تطبق في المدارس افاد المعلمون انهم لاحظوا تطورات ايجابية في حلقات المناقشة بين التلاميذ , منها : زيادة الرغبة في الاصغاء للآخرين نقص التمركز حول الذات زيادة القبول التسامح مع الآخرين تناقص الابتعاد عن صلب الموضوع زيادة الرغبة في التفكير في الموضوعات الجيدة بدلا من رفضها التوجه نحو الاستكشاف بدلا من نقص الافكار او الدفاع عنها.

في التقارير التي اعدت عن المشروع تبين ان الذين استفادوا منه اشخاص من مختلف درجات الذكاء , ومن مختلف الاعمار , من سن ست سنوات الي 90 سنة. كما استفاد منه عمال اميون في جنوب افريقيا وعدد من مديري الشركات العالمية الكبري. وبعض من فازوا بجائزة نوبل , اضافة الي فرق لكرة القدم وعازفون في اوركسترا موسيقية.

سالت الدكتور شريف الهجان عن الخطوات التنفيذية للمشروع , فقال انه بعد الانتهاء من ترجمة المادة العلمية سيقوم بتدريب 40 مدرسا. وسيتولي هؤلاء تدريس المنهج في 40 مدرسة , كما سيقوم كل منهم في نفس الوقت بتدريب 30 مدرسا , ليصبح العدد الكلي في نهاية العام الدراسي 2013 2014 حوالي 1200 مدرس. وفي هذه الحالة يفترض ان تدخل المناهج كل مدارس مصر في غضون سنتين او ثلاث.

حتي اذا كان الرجل يحلم فلا غضاضة في ذلك , لان الكثير من حقائق العصر بدات احلاما. لا استطيع ان اختم قبل ان ابوح بسؤالين يلحان عليّ هما : كيف يمكن ان نلزم بعض كبار المسئولين في البلد بحضور دروس في التفكير الجيد؟ ثم هل سيمتد بنا العمر حتي نشهد ثمار ذلك الجهد؟

ليست هناك تعليقات :