أحمد منصور يكتب : السموم التي ياكلها و يشربها المصريون بلا حدود


السموم التي ياكلها و يشربها المصريون بلا حدود ... اجريت علي مدي السنوات القليلة الماضية عدة حوارات في برنامجي التليفزيوني ' بلا حدود ' حول تلوث نهر النيل في مصر وكيف تحول في عصر الفساد عصر مبارك من مصدر للحياة الي مصدر للامراض القاتلة و الفتاكة و الموت , لكن التحقيق الذي نشرته صحيفة ' المصري اليوم ' في عددها الصادر يوم الاحد الماضي دق ناقوس الخطر ونبه للمصدر الرئيسي للامراض و الموت في مصر , وانا اعتبر مثل هذا النوع من الاعمال الصحفية من اهم الاعمال البناءة في العمل الاعلامي في وقت تفرغ فيه كثير من الاعلاميين المصريين الي الردح و الكذب وقلة الادب , الجهد الذي بذله المحرران جهدا مميزا لكن الجهد الذي بذلته الجهات الرقابية و الرسمية و التقارير التي اعدتها و التي تنذر بالخطر طوال السنوات الماضية كانت مميزة ايضا رغم انها لم تجد آذانا صاغية من احد وقد رصد التقرير 129 منشاة ومصنعا تصب مخلفاتها من الصرف الصناعي و المخلفات الكيماوية في نهر النيل بما يصل الي 477 مليون كليو متر من السموم , واذكر اني حينما قمت قبل سنوات برحلة الي الاقصر واسوان رصدت مئات العوامات وسفن الركاب التي تتحرك في تلك المنطقة وحينما سالت عن مخلفاتها سواء من الزيوت او مخلفات البشر وجدت انها تلقي في نهر النيل , وهذا يعني ان اكثر من نصف مليون كيلو جرام من الزيوت تصب في نهر النيل سنويا , اما المخلفات الاخري فهي اكبر من ان تحصي , الاغرب من ذلك ان معظم القري التي علي النهر يصب اهلها مخلفاتهم ومجاريهم في النهر اي انهم ياكلون ويشربون من مخلفاتهم وهذا سلوك بشري عجيب , فالنيل هو مصدر الزراعة واحد اهم مصادر الاسماك وهذا يعني ان كل الاسماك وكل المزروعات التي تروي بمياه النيل مسممة , وكثير من دول العالم لم تعد تسمح بقيام هذه المصانع علي ارضها لانها تلوث البيئة , اذكر حينما تولي رجب طيب اردوغان السلطة في تركيا قبل عشر سنوات كان خليج القرن الذهبي في اسطنبول من اكثر مجاري المياه تلوثا في العالم , وكانت الرائحة النتنة تنبعث من كل ارجائه وكان مما تعهد به اردوغان للشعب التركي انه سينظف خليج القرن الذهبي ويجعل الاتراك ياكلون منه الاسماك كما كانوا في تاريخهم , حينئذ اعتبره كثير من الاتراك يهذي ويخرف لان تنظيف هذا الخليج كان من المستحيلات بالنسبة لهم بسبب تراكم السموم و المخلفات وحتي المجاري به علي مدار عقود , لكن اردوغان وفي بوعده واصبحت مياه القرن الذهبي مثلها في نظافتها مثل مياه بحر مرمرة , ويستطيع الزائر لتركيا ان يري عشرات الاتراك وهم يقفون علي الكباري التي تقطع الخليج ويصطادون الاسماك البحرية وان يشاهد عشرات من مطاعم الاسماك علي ضفاف الخليج بعدما كانت مصدر الوباء و المرض , نريد من الرئيس مرسي ان يخرج علي الشعب المصري ويتعهد بتنظيف نهر النيل وان يعود مصدرا للحياة بالنسبة للمصريين كما كان علي مدار التاريخ وان يتم اغلاق كل مصادر السموم التي تصب مخلفاتها في النهر وان تكون تشريعات تلويث النيل صارمة , كما نريد من محركي التظاهرات التي توقف جريان الحياة في مصر ان يتوجهوا بتظاهراتهم الي تلك المصانع التي تصب سمومها في النيل لاغلاقها بدلا من هذه الهرطقة التي تخدم مصالح اعداء مصر ولا تخدم الشعب المصري.

ليست هناك تعليقات :