لماذا تصر الدستورية على جر الجيش الى جحيم السياسة رغما عنه ؟ وائل قنديل

يبقي السؤال مطروحا : ما الذي استجد لكي تمتد يد المحكمة الدستورية لقانون مباشرة الحقوق السياسية الذي اصدره المجلس العسكري عام 2011 , و هي التي فحصت مواد القانون و اقرتها و لم تجد غضاضة في المادة الخاصة بمنع العسكريين و رجال الشرطة من التصويت في الانتخابات ؟
لماذا رات الدستورية القانون جيدا و لا غبار عليه , بل ان من اعضائها من شارك في مناقشته في 2011 ثم انقلبت عليه في 2013 ؟
ان المادة الخاصة بمنع العسكريين و رجال الشرطة من المشاركة بالتصويت او الترشح في الانتخابات العامة يقترب عمرها من الاربعين عاما , فلماذا سكتت عليها ' الدستورية ' كل تلك المدة ثم قررت ان تنسفها الآن ؟
ان اجراء منع العسكريين من التصويت تم تفعيله بموجب قانون صدر برقم 76 لسنة 1976 , و عقب انتخابات مجلس الشعب التي اجريت عام 1971 , و شهدت واقعة شهيرة كان بطلها المرشح في ذلك الوقت احمد ناصر المحامي الوفدي المعروف , و وفق رواية مصادر عايشت تلك الفترة فان المحامي المعروف اقام دعوي قضائية يطعن فيها بالتزوير في صناديق الانتخابات الخاصة بالعسكريين , و قد حصل علي حكم لصالحه و تعويض مادي , و بعدها صدر القانون رقم 76 الخاص بعدم السماح لافراد المؤسسة العسكرية و الامنية بالتصويت .
و بعدها شهدت مصر العديد من الانتخابات البرلمانية علي مدي الاربعين عاما الماضية لم يشارك فيها العسكريون و رجال الشرطة بالتصويت , و لم يعترض احد او يطالب بمنحهم حق التصويت , بل انه كان هناك توافق عام علي ان هذا الاجراء يعفي المؤسسة العسكرية من التورط في مستنقعات الانتخابات و الاعيب السياسة , و يوفر بيئة اكثر ديمقراطية و مدنية لاجراء الانتخابات .
ان ذهاب الدستورية لمنح العسكريين حق التصويت من باب تحقيق المساواة بين مختلف فئات الشعب يهدر تماما اعتبارات الامن القومي المصري ويضع المجتمع علي حافة الخطر , ويفتح مجالا لصدامات لا يتحملها بلد مصاب بارتفاع حاد في درجة الاستقطاب و التخندق , فضلا علي انه يجر المؤسسة العسكرية و الامنية الي جحيم السياسة ومعاركها -- و السؤال هنا : هل فعلت ' الدستورية ' ذلك من عندياتها؟
ظاهر الاشياء يقول ان احدا من العسكريين او الشرطة لم يشك او يتضرر من منعه من التصويت في انتخابات هم مكلفون بتامينها من الخارج دون تحيز او تفضيل لطرف علي حساب آخر ودون التدخل في مجرياتها -- وعلي ذلك تبدو المحكمة الدستورية في هذا الموقف عسكرية اكثر من العسكريين انفسهم.
ان المنطق يقول انك اذا منحت شخصا حق التصويت فهذا يعني انك تمنحه حرية التاييد و المعارضة , و الحق في الدعاية و الترويج لهذا الفصيل او ذاك , وتخيل ان ضابطا او جنديا يحمل مهمة تامين لجنة انتخابية , وفي الوقت ذاته يحمل قناعاته وانحيازاته الشخصية في انتخابات في بلد لا يزال في طور التدريب علي ممارسة الديمقراطية لاول مرة منذ عقود طويلة من الاستبداد و التزوير و التزييف في ارادة الناس , هل نستطيع ان نتحدث عن حيادية في التامين و التنظيم هنا؟
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق