صباحي : 30 يونيو استكمال للثورة و يفتح باب الانتخابات الرئاسية المبكرة


اعتبر حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي المصري , ان 30 يونيو الجاري فرصة لانطلاق موجة جديدة تستكمل الثورة و توقف الاستبداد الاخواني , و تفتح الباب لانتخابات رئاسية مبكرة , مشيرا الي قلق علي مصر خلال الايام القادمة .

و اضاف صباحي في الحلقة الاولي من حواره لصحيفة ' الحياة اللندنية ' اليوم الثلاثاء , ان جماعة الاخوان و التي علي الارجح هي من تحكم و ليس رئيس المنتخب , عجزوا عن تقديم اي نموذج جديد لحكم مصر , قائلا ' هم يعيدون انتاج نظام مبارك لكن بسحنة جديدة ' .

و اشار صباحي الي ان عمرو موسي ليس جزءا من حالة 25 يناير , و لكن هو اطل عليها فيما بعد , حيث كان موجودا في الجامعة العربية و من الطبيعي الاّ يكون مشاركا في جدل القوي المعارضة لمبارك , مشيرا الي ان خطة اقتحام السجون كانت جاهزة , اما الهجوم علي اقسام الشرطة , حتي لو لعب الاخوان فيه دورا , هو كان نتيجة طبيعية للصدام .

و فيما يلي نص الحوار :

◄هل انت قلق علي مصر ؟

_ اكيد , كلنا قلقون علي مصر.

◄ العربي الذي يراقبها هذه الايام -- يطرح علي نفسه سؤال : هل استقالت مصر من دورها؟

_ مصر جُرِّدت من دورها اكثر مما استقالت , لكن الطبع غلاّب. مصر عندما تُجرَّد من دورها لا تستطيع ان تستقر ودورها ليس مسالة ارادة يحددها حاكم او جماعة , فهي مستعصية علي تقييد دورها او كبحه او تدجينه او تحريكه , واعتقد بانها تعرّضت لكل هذه المحاولات. نعتقد دائما بان دورها هو نتاج الجغرافيا و التاريخ. مصر لا تستطيع ان تفلت من موقعها في الجغرافيا ولا دورها في التاريخ , لكنها جُرِّدت من دورها منذ زمن , وتحتاج في الوعي و اللاوعي , في وعيها الجمعي الي استعادة هذا الدور.

◄ هل انتهت مصر طه حسين ونجيب محفوظ , مصر الرائدة ثقافيا؟

_ هذا جزء من دورها. طه حسين ونجيب محفوظ وجميع مبدعي مصر وفنانيها لم يكونوا قرارا تم اخذه , بل كانوا ابناء حالة في مصر وواحدا من تجليات دورها. هذه الحالة غير قابلة للانقطاع ولكن يمكن ان تجد ظرفا مواتيا او ظرفا معاكسا. ما يقلقنا علي مصر ان اللحظة الحالية يمكن ان تكون غير مواتية او لا تمكّن مصر من ان تلعب دورها , بحكم طبيعة السلطة التي تحكمها الآن واختياراتها وتوجهاتها وسلوكياتها. هذه السلطة عائق امام ان تلعب مصر دورها او ان تكون نفسها.

◄ حين نتابع الاحداث نسال اين مصر في سورية -- اين مصر في لبنان -- اين مصر في العراق؟ هل انكفات الي جراحها؟

_ هذا سؤال صحيح. مصر قادرة علي ان تؤكد دورها , بصرف النظر عن درجة الجراح التي تتعرض لها , لكن عندما تجد نظاما يؤمن بها ويعرف قَدرَها , او بتعبير آخر يستجيب لقدرها. قدر مصر الطبيعي جدا انها ليست لنفسها ولا بنفسها. مصر لمحيطها وبه. بلا عروبة لا تكون مصر.

◄ حين تنظر الي ايران -- دولة شبه كبري في الاقليم -- في موقع الهجوم لا الدفاع -- وفي مقابل ذلك انحسار للدور المصري , الا تشعر بالخيبة -- بالقهر؟

_ اشعر بان ذلك توزيع خاطئ للادوار في هذه المنطقة من العالم. دائما هناك 3 ادوار فاعلة , وهي طبيعية : العربي و الايراني و التركي , وينبغي لهذه الادوار ان تدرك ما بينها من عوامل تدعوها للتكافل , وان بينها نوعا من الصراع المعلن او الخفي علي النفوذ. كل فراغ تتركه احدي هذه القوي الثلاث ستتقدم لملئه احدي القوي الصديقة و المنافسة. فهذه ليست عدوة , ليست متصادمة , هي قوي علاقتها يحكمها التنافس في اطار كونها كلها تنتمي الي الدين الغالب : الاسلام , والي الجغرافيا ذاتها وتاريخ فيه من التعاون و الوفاق و الشقاق و الصراع جملة دروس. فاذا شحب ضوء في اي نقطة تغزوه الاضواء الساطعة في النقطة الاخري.

مصر مجردة من دورها منذ اختارت طريق السلام مع اسرائيل باتفاقية كامب ديفيد , وكانت تلك اللحظة التي ارّخت ان تختار مصر اختيارا لا تكون فيه قائدا طبيعيا , وهو موقعها الطبيعي في امتها -- . اختيارا يتخلي عن القضية الاساسية لامتها , بصرف النظر عن كفاءته سياسيا او ضروراته في لحظته او تعبيره عن موازين قوي. الاكيد ان دور مصر ارتبط بقدرتها علي ان تدرك انها جزء من المحيط العربي , وهي كانت تمثل قائدا طبيعيا لقارة افريقيا -- . عالم مترامٍ ومتنوع في تشكيلاته القومية , هو العالم الاسلامي. عبد الناصر حاول تلبية احتياجات هذا الدور , وهناك دور اوسع , عندما كانت ' مصر ' طرفا قائدا في مشروع للمستضعفين يسمي عدم الانحياز , لمحاولة الافلات من القطبية الثنائية في هذا الزمن. عندما ندرك الي اي مدي كان هذا الدور متسقا مع طبيعة مصر وموقعها ودورها في التاريخ , يعطيها نفوذا حقيقيا في هذه الدوائر , ونقارنه بما بعد كامب ديفيد , نجد انحسارا تدريجيا , اسميه تجريدا لمصر من دورها لانها مارست اختيارا لا ينسجم مع اختيارات امتها العربية. منذ تلك اللحظة ومصر في انحسار , تدفع ثمن مسالتين , كامب ديفيد و الثورة الايرانية. تراجعت مصر عن قيادة الموضوع الفلسطيني واخذته ايران وتقدمت به.

◄ مَنْ يحكُم مصر الآن -- رئيس منتخب ام حزب الرئيس ام جماعة ' الاخوان المسلمين ' ؟

_ جماعة ' الاخوان ' , هذا ترجيحي.

◄ هل تعتقد باننا بعد الربيع العربي , نتجه الي شرق اوسط ضائع بين مرشدين , المرشد الايراني ومرشد ' الاخوان ' ؟

* هذا الامر ستحسمه مصر , و السؤال لا يزال من دون اجابة , لان الامر مرهون بان يتمكن ' الاخوان ' من مصر , ويقدّموا نموذجا مرضيا للشعب المصري ومن ثم الشعب العربي -- . الوصول الي السلطة في حد ذاته اختبار , وهو لا يؤسس بالضرورة لتقديم اي نموذج قادر علي النجاح ولا نشر نفوذه خارج الاقليم.

◄ وهل تتوقع ان ينجح ' الاخوان ' ' في تقديم هذا النموذج؟

* اعتقد بانهم الآن في محيط عام , و النتائج بالغة الوضوح. ' الاخوان ' عجزوا عن تقديم اي نموذج جديد لحكم مصر , هم يعيدون انتاج نظام مبارك لكن بسحنة جديدة.

◄ اقام ' الاخوان ' طويلا في المعارضة ثم جاؤوا الي السلطة , هل لديهم برنامج ام لا , او لديهم برنامج خفي لم يتمكنوا بعد من تمريره؟

* مصر بعد 25 يناير , ليست حالة اي بلد آخر ولا اي مرحلة اخري. ' الاخوان ' لم ياتوا الي الرئاسة في ظل اوضاع ديموقراطية مستقرة , فيها تداول للسلطة وعرض للبرامج ومَنْ يفوز ينفذ برنامجا , واذا فشل يتم تغييره. هم اتوا في عملية ثورية كبري , بدات بكتلة تاريخية كبري نزلت الي الميدان فاسقطت راس النظام , وهذا تعبير عن ارادة جماهيرية غالبة , حددت اهدافها ب : العيش و الحرية و الكرامة الانسانية و العدالة الاجتماعية. ومن ياتي بعد هذه الثورة ليس له حق اختراع اهداف غير التي صاغها الملايين وقدموا شهداء من اجلها , ولكن ستكون كفاءته في ان يبحث افضل الطرق باقل كلفة وفي اسرع وقت للتقدم في اتجاه هذه الاهداف. نحن لم نطلب ولا نطلب من مرسي ان يحقق هذه الاهداف في سنة , بل نطلب منه تقديم مسار يقنع الناس بان يمضي في هذه الاتجاهات. بعد سنة ' علي حكم الرئيس مرسي ' اكتشفنا ان منهج ' الاخوان ' في ادارة الدولة المصرية , من مؤسسة الرئاسة وهي في قبضتهم , و الحكومة وهي ايضا في قبضتهم , يقود الي مزيد من الشره المتفاقم لامتلاك المواقع. فكرة التمكين لديهم , و الاستحواذ علي اكبر مقدار من مفاصل الدولة واجهزتها , هي فرصة اهم لديهم في ادائهم من استكمال الثورة او تحقيق اهدافها -- . حيازتهم السلطة منفردين اهم من تحقيق اهداف الشعب الذي اتي بهم الي السلطة عبر انتخابات.

◄ هل تقول انهم خانوا الثورة؟

* تعبير خيانة الثورة يمكن ان يكون دقيقا , لكنني لا افضّل استخدامه. كل مشتقات الخيانة افضِّل تنحيتها عن الصراع المحتدم الآن. افضّل البحث عن تعبيرات اخري , ولكن حين يصف احد الواقع بانه خيانة للثورة , لا اعتقد بانه يناي عن الحقيقة , ففي النهاية الثورة اختيارات ومصالح للذين قاموا بها واهداف واحلام , وعندما تاتي سلطة تتنكر لكل هذا , فان استخدام تعبير مثل ذلك , يمكن ان يكون عادلا ومنصفا.

◄ تريد القول ان اتهام ' الاخوان ' بخيانة الثورة ليس مستغربا , ولو بحثتَ عن تعبيرات اخري؟

* هذا تعبير راقٍ. اري ان ' الاخوان ' في هذه السنة برهنوا علي انهم ضد اي مشروع وطني يجمع المصريين. لديهم مشروع آخر , وهذه نقطة بالغة الاهمية , لها علاقة بالدور المصري. مصر طوال التاريخ تحاول ان تجسد هويتها وانتماءها لثقافتها ونتاج ضرورات الجغرافيا و التاريخ فيها , في مشروع يعبّر عن ادراك لهذه الحقائق , ولا يمكن ان يتجلي ذلك الا في مشروع وطني يدرك دور مصر , ولا يمكن ان ينفصل عن عروبتها ودورها القومي , ويمتد الي الدوائر الاخري الافريقية و الاسلامية.

الآن , نعاني من الصراع بين المشروع الوطني الذي عبّرت عنه ثورة 25 يناير ومشروع ' الاخوان المسلمين ' , وهو غير مطابق للاولي. يتوهم ' الاخوان ' حين يرون ان ' اخونة ' مصر ستقدم حلا , المطلوب ليس ' اخونة ' مصر بل تمصير ' الاخوان ' , ان يدركوا انهم جزء من جماعة وطنية.

الامر الآخر اننا اكتشفنا درجة التناقض بين مشروع الجماعة ومشروع المجتمع. المجتمع عبّر عن نفسه بوضوح جدا في 25 يناير , فيما مشروع الجماعة مختلف عنه , وهذا امر واضح. عندما قامت الثورة كان درسها العبقري البليغ انها عبّرت عن احد تجليات مصر , واهمها الوحدة و التنوع , فمصر هي بلد التنوع و الاندماج في الاندماج ذاته , وهو يكاد ان يكون اكثر مجتمعات الامة العربية من المحيط الي الخليج , اندماجا وتنوعا في آن. اللحظة الكاشفة في ميدان التحرير عبرت عن تلك الحقيقة , وحين تري مجتمع ميدان التحرير في 25 يناير , تري صورة زاهية جدا مثل البستان المتعدد الالوان , مجتمعا منسجما جدا. المسلم و القبطي كانا موجودَيْن في صورة رائعة , الريف و الحضر , اهل سيناء بزيهم البدوي و النوبيون , طبقة من العمال و الفلاحين الي شرائح الطبقة الوسطي باعلي درجاتها. كل الانماط الثقافية الفرعية كانت حاضرة. وكل الاتجاهات السياسية : الاسلامية و اليسارية و الليبرالية و القومية , كل هذه التنظيمات كانت موجودة. كذلك المراة و الرجل , واذا كان هذا هو الدرس الذي انتصرت به مصر في هذه الثورة , فماذا تري الآن؟ تري ان جزءا من هذا التنوع سرق الثورة لمصلحته علي حساب هذه المكونات , جماعة ' الاخوان ' صافية تسيطر علي الدولة.

_سمعتُ من سياسيين مصريين ان ' الاخوان ' انضموا الي الثورة بعد انطلاقها ولم يكن لهم دور في تفجيرها , وانهم حين راوا ان الثورة تحمل علي الاقل احتمال النجاح , انضموا اليها.
_ واقعيا , اولا لا بد ان نذكر ان حرمان جماعة ' الاخوان ' من هذا الفضل هو امر حقيقي , لكنه لا ينسب لاي حزب آخر في الوقت ذاته , هو منسوب الي طاقة شابة عابرة للاحزاب في مصر ومتجاوزة لها. هؤلاء هم دعاة 25 يناير , روح جديدة متجلية في شباب 25 يناير , لكن التفاعل مع هذا الشباب كان آخر مَنْ التحقوا به هم ' الاخوان المسلمون ' في 28 ' يناير ' .

قبل الثورة تشكّل نوع من التعبير الجماعي يُسمي البرلمان الشعبي , في اعقاب نتائج الانتخابات المزورة في 2010 , واتفقنا في هذا البرلمان ان يحشد كل طرف اعضاءه في دوائرهم ليوم 25 يناير , لان قدرتهم علي الحشد ستكون عالية جدا , فاذا تخيّلنا ان كل نائب عاد الي دائرته وجمع انصاره , فهذا سيعطي زخما شديدا للثورة , وانا كنت في دائرتي في بلطيم بمحافظة كفر الشيخ , واتفقنا علي تنظيم تظاهرة. رفض ' الاخوان ' المشاركة فيها , وفي الثالثة فجرا حضر احد مسئوليهم الي منزلي وابلغني ان من الممكن ان يشارك احد كوادرهم فيها. خلال النهار كان وجودهم ذا طابع رمزي , وحين زادت الاعداد بدات المسيرة , وعندما تحركنا كانوا واقفين , وكلما تحركنا حرصوا علي ان يكونوا في آخر الصفوف. وحين خرجنا الي الشارع الرئيسي لنتجه من شرق البلد الي غربها , وجدنا الامن بالسلاح وقد نصب حاجزا من الجنود وخلفه سيارات للشرطة و القوات جاهزة للمواجهة.

في هذه المواجهة لم يكن هناك اخواني واحد. اخترقنا حاجز الشرطة , وكنت علي راس التظاهرة في الصف الاول المتصادم مع قوات الامن وجُرِحت. حتي حين اجتزنا حاجز الشرطة بعدما واجهَنا الامنُ بالماء واضطر لفتح الصفوف وتحركت المسيرة , لم يلتحق بنا ' الاخوان ' , وحتي آخر المدينة. حدث ان شابا من البلد اصر علي تسلق بناية لتمزيق صورة لحسني مبارك في مشهد مؤثر جدا يومها , ولم يكن ' الاخوان ' طرفا , في كل مكان في مصر. وفي 28 يناير , شاركت في تظاهرة من ميدان مصطفي محمود الي ميدان التحرير , وحين وصلنا الي فندق ' شيراتون ' في ميدان الجلاء كان واضحا ان الثورة ستنتصر , لاننا كنا طوفانا من البشر ووجدنا طوفانا آخر من ميدان الجيزة يلتحق بنا , لم يكن ' الاخوان ' مشاركين فيه.

في هذا اليوم , حدث الصدام الهائل مع جهاز الشرطة الذي تضعضع. يومها كانت المسافة من ميدان الجلاء الي ميدان التحرير , ساحات قتال واشتباك ضار جدا , ابطاله الحقيقيون كانوا ابناء الاحياء الشعبية , ابناء الغضب الذين حرموا طويلا. هم الذين شكّلوا ساترا لابناء المثقفين وابناء الطبقة الوسطي وطليعة لصدام مباشر مع قوات الامن. فاختفت الشرطة , التي اعتقد انها انكسرت ميدانيا , لانها لم توفر جهدا ولا سلاحا في يدها , وتاكدت ان الشعب سيغلبها , وربما قرر عناصرها الانسحاب , وحين خلع جنود الشرطة ملابسهم وانضموا الي المتظاهرين , كان الامر انتهي.

◄ في 28 يناير كُنتَ في التظاهرات , مَنْ كان مشاركا؟ وهل ' الاخوان ' كانوا غائبين؟

_ اسماء كثيرة كانت مشاركة. في مسيرة مصطفي محمود كان المخرج السينمائي خالد يوسف و الممثل خالد الصاوي و الممثل خالد النبوي , وحشد من القيادات , كلها من اجيال لعبت دورا في السياسة خلال السبعينات , من المنتمين الي اليسار , وكان هناك رامي لكح و الشاعر جمال بخيت , وعدد هائل من الاهالي انضموا الينا ومن لم يستطع دعمنا شاركَ من علي الشرفات بالزغاريد و التلويح. كان مشهدا ملهما جدا , في هذا اليوم بدا ان طاقة الشعب قادرة علي كسر الهجمة الرئيسية للامن لينهار. بعدها بدا ظهور ' الاخوان ' عشية 28 يناير , وفرحنا بوجودهم كشركاء , لانهم عانوا مثلنا , وكان وجودهم اخيرا قرارا ثوريا تاخروا فيه , ولم نعاملهم ابدا باعتبارهم جسما غريبا. كل الناس كانت متكاملة ومتضامنة الي ابعد درجة , لكنهم في الميدان يتميزون بتكتيكات فارقة تخصهم واهمها موقفهم من الحوار مع عمر سليمان آنذاك. اتذكر ان البرلمان الشعبي قال فلنشكل قيادة من عدد من الاسماء تكون مسئولة عن ادارة الميدان و الحالة الثورية , وكانت تجتمع في عيادة الدكتور عبد الجليل مصطفي القريبة من ميدان التحرير , وهو كان من العناصر الاساسية من ' الجمعية الوطنية للتغيير ' , وكان مفترضا ان يكون محمد البرادعي وايمن نور وعصام العريان وعدد مهم من الاسماء المقترحة لتكوين تلك القيادة.

◄ كان فيها عمرو موسي؟

* لا , لم يكن عمرو موسي جزءا من هذه الحالة. هو اطل عليها فيما بعد. كان موجودا في الجامعة العربية ومن الطبيعي الاّ يكون مشاركا في جدل القوي المعارضة لمبارك , لانه موجود في موقعه الرسمي طوال عمره , لكنه نزل الي الميدان من مقره في الجامعة , وعبّر عن تعاطف وتعاضد مع المتظاهرين لاحقا.

◄ يوم 28 مساء هوجمت اقسام الشرطة وصباحا هوجمت السجون , وخرج الرئيس محمد مرسي , ما تفسيرك لهذه الاحداث -- هل هذا ترتيب من ' الاخوان ' ؟

* اري ان خطة السجون كانت جاهزة , اما الهجوم علي اقسام الشرطة فحتي لو لعب ' الاخوان ' فيه دورا , هو كان نتيجة طبيعية للصدام , اذ كانت هناك حرب تكسير , من الطبيعي ان تمتد الي اقسامهم , و الاكيد انه كان فيها قصد واضح. اقتحام السجون بدا مسالة مجهّزة ومخططا لها , انتظرت الظروف المواتية.

◄ وهل كان ' الاخوان ' يتوقعون الثورة , بالتالي جهّزوا خطة اقتحام السجون؟

* هذا وارد في الاعتبار , لكنني لا اعتقد بان العملية المحكمة التي نُفِّذت لاطلاق السجناء , هي وليدة 48 ساعة من التنفيذ و التخطيط الذي ظهر الآن في محاكمة هروب سجناء وادي النطرون.

◄ الفريق احمد شفيق قال في حوار سابق ان عناصر حمساوية جاءت واخرجت محمد مرسي من السجن , واعطته هاتف ثريا ليتصل بقناة الجزيرة. هل لديك الانطباع ذاته بان عناصر خارجية شاركت في تحرير السجناء؟

* الامر لا يتعلق الآن بالانطباعات , بل بمعلومات قدّمها شهود وتحقيقات امام واحد من القضاة المحترمين , هو خالد محجوب , ومن جملة المستفاد من هذه التحقيقات ان ما قلته يرويه شهود , وهذه معلومات متداولة امام المحكمة.

_ نعود الي حوار عمر سليمان مع المعارضة اثناء الثورة , وموقف ' الاخوان ' منه -- .
_ الاخوان ' حضروا الاجتماعات وانا دعيت الي لقاء رفضته مباشرة , وابلغت اللجنة التي شُكِّلت في الميدان انني رفضت احتراما لارادة الميدان , لكي لا يكون هناك سلوك يكسر معنويات هذا الجمع. بعدها تلقيتُ اتصالا يطلب مني ضرورة الحضور للقاء عمر سليمان , ويومها تحدثت الي الدكتور عبد الجليل مصطفي , وابلغته ان هناك دعوة اخري للقاء سليمان , وطلبت منه الاجتماع لاتخاذ موقف موحد من هذه الدعوة. خلال النهار اجتمعنا في عيادة الدكتور عبد الجليل مصطفي , وابلغني الحضور ان ايا منهم لم يتلقَّ مثل هذه الدعوة , وكان جالسا واحد من ' الاخوان ' , واثني الجميع علي موقفي و العودة الي القيادة الجماعية. واكتشفتُ انه فيما كنا نناقش الامر , التحق ' الاخوان ' باجتماع مع عمر سليمان , وكان مرسي و الكتاتني حاضرَيْن. هذا يوحي بان لديهم تصوراتهم التي تخص مصالحهم , علي رغم وجودهم في الميدان ومشاركتهم مع الجميع. اتضح ان ' الاخوان ' كان لديهم مشروعهم الذي يريدون تنفيذه , و الثورة وفرت لهم اعظم فرصة لتحقيقه , لذلك انظر لهم بطريقة ارجو الاّ تكون ظالمة , فهناك اسلوب ادائهم الآن في السلطة الذي يُعبّر عن درجة عالية جدا من الانانية.

◄ كانوا مستعدين للقبول بعمر سليمان؟

* لا اعرف , لكنهم جلسوا معه , و الاكيد انهم كانوا مستعدين لتسويات مع النظام في وقت كان الميدان يهتف ضد اي حوار مع هذا النظام ويرفض اي تنازلات يقدمها , خصوصا ان 28 يناير شهد سقوط شهداء ودماء , بالتالي لم تكن هناك فرصة للعودة. فحين تخرج عن الاجماع وتذهب للتفاوض , هذا يعني انك تملك اجندة خاصة , من الممكن ان تلتقي في مساحات مع الجماهير وشركاء القيادة , ومن الممكن ان تنفصل عنهم , وحين تقرر ستختار ما يخدمكَ انت ويعبّر عن وجهة نظرك , لا عن الناس.

◄ اين كنت يوم 11 ' فبراير ' , يوم تنحي مبارك؟

* كنت خارجا من خيمتي في الحديقة المتاخمة لمسجد عمر مكرم المطل علي ميدان التحرير. يومها كنا نُصلي في الحديقة وكان معنا القائد الميداني العتيد كمال ابو عيطة رئيس اتحاد النقابات المستقلة , مؤسس اول نقابة مستقلة ضد سلطة مبارك , نقابة الضرائب العقارية. وكنت اُصلي اماما بمجموعة من المعتصمين بينهم كمال ابو عيطة , وصلّينا المغرب و العشاء جمعا وقصرا , وكانت الصلاة جهرية وفي الركعات الاربع الجهرية في صلاتي المغرب و العشاء قرات سورة النصر وآية واحدة : ' اذا جاء نصر الله و الفتح -- . ' , وسلمنا ونحن نتبادل التحية بعد الصلاة , ارتفعت في الميدان موجة من التهليل , وهذا كان ايذانا باستقبال خبر تنحي مبارك.
واعتبر ان من دواعي فالي السعيد انني كنت موجودا في الميدان لحظة تنحي مبارك , وانا مؤمن بان هناك مددا من الله تحقق للمصريين ولا اعوّل في تفسير الاحداث علي عواملها المادية فقط. فجزء رئيسي ومهم جدا في ما حصل بمصر له علاقة بالروح وقدر الايمان في نفوس الناس , وهذا امر نتلقاه بحكم تكويننا ومعتقداتنا , مسلمين ومسيحيين.

◄ هل تكره حسني مبارك كثيرا؟

* لا اكرهه نهائيا , لا كثيرا ولا قليلا , انا عندي عجز خلقي عن الكراهية , وهذا الشعور لا اتمتع به.

◄ وهل كنت تتصور قبل 25 يناير ان يسقط نظام مبارك؟

_ نعم , كنتُ واثقا من سقوطه , واعتبر نفسي واحدا من قلائل في مصر آمنوا بان الثورة آتية وستُسقِط مبارك , ايمانا يصل الي حد اليقين. كنت اعبّر عنه والقي كثيرا من الاستهجان من نخبة تشاركني الراي ذاته تماما في نظام مبارك , لكنها لم تكن توافق علي هذا اليقين الذي تعتبره ذا طابع صوفي.

الدكتور عمرو حلمي , وهو واحد من اهم المثقفين النبلاء ورائد في زراعة الكبد , تولي وزارة الصحة بعد الثورة اثناء حكومة عصام شرف , اعتاد منذ سنوات ان يعقد في عيادته في شارع قصر العيني ' صالون الاربعاء ' في الاربعاء الاول من كل شهر. تجتمع لديه نخبة متعددة الاتجاهات من السياسيين و المثقفين و المبدعين , تلقي الشعر وتستمع للغناء وتناقش قضية مطروحة علي المجتمع. في يناير 2011 , قبل اندلاع الثورة , كانت النخبة مجتمعة وكلها وطنية , اخلاصها للبلد اكيد كمعارضتها الجذرية لنظام مبارك. كان الناطق الرئيسي المستشار اشرف البارودي , وهو من نجوم حركة استقلال القضاء في مصر , رجل يمتلك كاريزما , وتحدث في اللقاء عما يشغلنا كلنا ازاء ما يحصل في البلد , لكنه عبّر عن خيبة امل بالشعب المصري. وقال ' لو ذهبت الي مقهي احدّث الناس عن مصالحهم , وهم جالسون يشكون الغلاء و الفساد , سيستمعون اليّ , وما ان تبدا المباراة سيقولون : لو سمحت , نريد متابعة كرة القدم ' .

قال يومها انه سيسافر الي الامارات , وكان يبرر ذلك باحساسه بان الشعب غير مدرك لاوضاع بلاده. يومها قلت انني ضد هذه الرؤية تماما , واشرت الي ان المثقفين المصريين ينظرون الي الشعب بتعالٍ , ولا يعرفون الطاقة الكامنة لدي هذا الشعب القادر علي ان يثور , وسيثور ليطيح هؤلاء الحكام. قلت كلاما بدا مفارقا للوعي العام , وتولي كل الحضور تقريبا الرد علي بدرجات متفاوتة من الحدة , كما لو كنت في موقف ادانة جماعية من نخبة محترمة. حال مثقفي مصر انهم لم يكونوا مدركين بما فيه الكفاية طاقة هذا الشعب , ولا متنبئين بهذه الثورة.

شاركتُ في تظاهرات ' يناير ' 1977 وكان للحركة الطلابية اثر وحضور. كانت ضد السادات واعتبِرها ' البروفة الجنرال ' لثورة 25 يناير. الفرق الزمني 34 سنة , وطوال هذه الفترة كنت متعلقا بحلم الثورة الآتية. انا ناصري , كنت اكتب قبل الثورة بعشر سنين , ومع جزء من الجماعة الناصرية من جيلي واجيال لاحقة , كنا اول من ادخلْنا علي مساحة واسعة من الحوار , فكرةَ المقاومة المدنية السلمية , العصيان المدني , او ما سمّيناه ثورة المواطنين الاحرار وليس ثورة الضباط الاحرار , رغم اننا كنا منتسبين الي تجربة عبد الناصر. قلنا ان سيناريو الثورة الآتية لن يكون تكرارا لما فعله عبد الناصر , ولن توجد مجموعة ضباط قادرة علي التغيير. ودخلنا في سلسلة اشتباكات مع واقع كثير الجفاف في مواجهتنا , آخر تجلياته كان حركة ' كفاية ' . كنا نقف في تظاهرة ل ' كفاية ' من 300 شخص , يحيط بنا ثلاثة آلاف جندي و المارة من حولنا يتعاطفون معنا لكنهم لا ينضمون الي المسيرة.

◄ هل تعتبر ان حركة ' كفاية ' ساهمت في تهيئة الجو للثورة؟

* تماما , اعتبرها واحدا من لاعبَيْن رئيسيَّيْن في الثورة , هما : حركة المثقفين من خلال ' كفاية ' , وحركة المطالب الاقتصادية و الاجتماعية عبر سلسلة هائلة من تظاهرات العمال و الموظفين المطالبين بحقوقهم , وعبر اضراباتهم. كان انجح ما فيها اضراب ' موظفي ' الضرائب العقارية الذي انتهي بتشكيل نقابتهم المستقلة بقيادة كمال ابو عيطة. ولكن دائما هناك نوع من انواع الهوة او الكبوة ما بين المثقفين في نمط حركتهم وكلامهم , وبين المطالبين بتحسين الاجور وبالحماية من الفصل التعسفي وضحايا الخصخصة و المعاش ' التقاعد ' المبكر. وحين بدانا ندرك اهمية ردم هذه الفجوة بين مطالبة المثقفين بالديمقراطية وتعظيم دور مصر ورفع مفاهيم سياسية كبري , ومطالبة الناس بحقهم في ' لقمة العيش ' , حين بدات هذه المساحة تضيق ويحدث تلاقٍ , خلق هذا المناخ المواتي وصنع التجريب الطويل الفاشل , بمعني ثوري. هذا ما حرك الارض في مصر.

ليست هناك تعليقات :